البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٨٠
الزوجة. قاله ابن عباس، ولا خلاف فيه بين أهل العلم على أن اللفظ يحتمل أن يعود على الزوج الثاني والمرأة، وتكون الآية قد أفادت حكمين : أحدهما : أن المبتوتة ثلاثا تحل للأول بعد نكاح زوج غيره بالشروط التي تقدمت، وهذا مفهوم من صدر الآية، والحكم الثاني : أنه يجوز للزوج الثاني الذي طلقها أن يراجعها، لأنه ينزل منزلة الأول، فيجوز لهما أن يتراجعا، ويكون ذلك دفعا لما يتبادر إليه الذهن من أنه إذا طلقها الثاني حلت للأول، فبكونها حلت له اختصت به، ولا يجوز للثاني أن يردها، فيكون قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا مبينا أن حكم الثاني حكم الأول، وأنه لا يتحتم أن الأول يراجعها، بل بدليل إن انقضت عدّتها من الثاني فهي مخيرة فيمن يرتد منهما أن يتزوجه، فإن لم تنقض عدّتها، وكان الطلاق رجعيا، فلزوجها الثاني أن يراجعها، وعلى هذا لا يحتاج إلى حذف بين قوله : فَإِنْ طَلَّقَها وبين قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ويحتاج إلى الحذف إذا كان الضمير في : عليهما، عائدا على المطلق ثلاثا وعلى الزوجة، وذلك المحذوف هو، وانقضت عدّتها منه، أي : فإن طلقها الثاني وانقضت عدتها منه فلا جناح على المطلق ثلاثا والزوجة أن يتراجعا، وقوله : إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ أي : إن ظن الزوج الثاني والزوجة أن يقيما حدود اللّه، لأن الطلاق لا يكاد يكون في الغالب إلّا عند التشاجر والتخاصم والتباغض، وتكون الضمائر كلها منساقة انسياقا واحدا لا تلوين فيه، ولا اختلاف مع استفادة هذين الحكمين من حمل الضمائر على ظاهرها، وهذا الذي ذكرناه غير منقول، بل الذي فهموه هو تكوين الضمائر واختلافها.
أَنْ يَتَراجَعا أي : في أن يتراجعا، والضمير في : عليهما، وفي : أن يتراجعا، على ما فسروه، عائد على الزوج الأوّل والزوجة التي طلقها الزوج الثاني.
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنه الحر، إذا طلق زوجته ثلاثا. ثم انقضت عدتها، ونكحت زوجا ودخل بها، ثم نكحها الأول، أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات ثم ترجع إلى الأول فقالت طائفة : تكون على ما بقي من طلاقها، وبه قال أكابر الصحابة :
عمر، وعلي
، وأبي، وعمران بن حصين، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص، ومن التابعين : عبيدة السلماني، وابن المسيب، والحسن، ومن الأئمة : مالك، والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، ومحمد بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن نصر.