البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٨٣
للتوطئة لا للتقييد فيكون ذكره على سبيل الغلبة لأن الإنسان أكثر ما يتزوج الحرائر، ويصير لفط الزوج كالملغى، فيكون في ذلك دلالة على أن الأمة إذا بتّ طلاقها ووطئها سيدها حلّ للأول نكاحها، إذ لفظ الزوج ليس بقيد وإن كان للتقييد، وهو الظاهر، فلا يحللها وطء سيدها.
والفاء في : فلا جناح، جواب الشرط قبله، وعليهما، في موضع الخبر، أما المجموع : جناح، إذ هو مبتدأ على رأي سيبويه، وإما على أنه خبر : لا، على مذهب أبي الحسن : وأن يتراجعا، أي : في أن يتراجعا، والخلاف بعد حذف : في، أبقى : أن، مع ما بعدها في موضع نصب، أم في موضع جر، تقدم لنا ذكره، و : أن يقيما، في موضع المفعولين سد مسدهما لجريان المسند والمسند إليه في هذا الكلام على مذهب سيبويه، والمفعول الثاني محذوف على مذهب أبي الحسن، وأبي العباس.
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ تلك : مبتدأ، و : حدود خبر، و : يبينها يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر، ويجوز أن يكون في موضع الحال، أي مبينة، والعامل فيها اسم الإشارة، وذو الحال : حدود اللّه، كقوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً «١» و : لقوم، متعلق : بيبينها، و : تلك، إشارة إلى ما تقدم من الأحكام، وقرىء : نبينها، بالنون على طريق الالتفات، وهي قراءة تروى عن عاصم.
ومعنى التبين هنا : الإيضاح، وخصّ المبين لهم بالعلم تشريفا لهم، لأنهم الذين ينتفعون بما بين اللّه تعالى من نصب دليل على ذلك من قول أو فعل، وإن كان التبين بمعنى خلق البيان، فلا بد من تخصيص المبين لهم الذين يعلمون بالذكر، لأن من طبع على قلبه لا يخلق في قلبه التبيين.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة نهي اللّه عباده عن ابتذال اسمه تعالى، وجعله كثير الترداد، وعلى ألسنتهم في أقسامهم على بر وتقوى وإصلاح، فدل ذلك على أن مبالغة النهي عن ذلك في أقسامهم على ما ينافي البر والتقوى والصلاح بجهة الأحرى، والأولى، لأن الإكثار من اليمين باللّه تعالى فيه عدم مبالاة واكتراث بالمقسم به، إذ الأيمان معرضة لحنث الإنسان فيها كثيرا، وقل أن يرى كثير الحلف إلّا كثير الحنث. ثم ختم هذه الآية بأنه تعالى سميع لأقوالهم، عليم بنياتهم.

_
(١) سورة النمل : ٢٧/ ٥٢. [.....]


الصفحة التالية
Icon