البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٨٨
وليس على ناري حجاب أكفها لمقتبس ليلا ولكن أشيرها
وقال أبو زيد : شرت الدابة وشورتها أجريتها لاستخراج جريها، وكان مدار الكلمة على الإظهار، فكأن كل واحد من المشاورين أظهر ما في قلبه للآخر، ومنه الشوار، وهو متاع البيت لظهوره للناظر، وشارة الرجل هيئته لأنها تظهر من زيه، وتبتدئ من زينته، وأورد بعضهم عند ذكر المادة هذه الإشارة فقال : والإشارة هي إخراج ما في نفسك وإظهاره للمخاطب بالنطق وغيره. انتهى. فإن كان هذا أراد أنهما يتقاربان من حيث المعنى فصحيح، وإن أراد أنهما مشتركان في المادة فليس بصحيح، وقد جرت هذه المسألة بين الأمير ابن الأغلب متولي إفريقية وبعض العلماء من أهل بلده، كيف يقال إذا أشاروا إلى الهلال عند طلوعه؟ وبنوا من الإشارة تفاعلنا، فقال ابن الأغلب : تشاورنا، وقال ذلك العالم تشايرنا، وسألوا قتيبة صاحب الكسائي، وكان قد أقدمه ابن الأغلب من العراق إلى افريقية لتعليم أولاده، فقال له : كيف تبني من الإشارة : تفاعلنا؟ فقال : تشايرنا. وأنشد للعرب بيتا شاهدا على ذلك عجزه.
فيا حبذا يا عز ذاك التشاير فدل ذلك على اختلاف المادتين من ذوات الياء، والمادة الأخرى من ذوات الواو.
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ نزلت في ثابت بن بشار، ويقال أسنان الأنصاري، طلق امرأته حتى إذا بقي من عدّتها يومان أو ثلاثة، وكادت أن تبين راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها حتى مضت سبعة أشهر مضارّة لها، ولم يكن الطلاق يومئذ محصورا.
والخطاب في : طلقتم ظاهره أنه للأزواج، وقيل : لثابت بن يسار، خوطب الواحد بلفظ الجمع للاشتراك في الحكم وأبعد من قال : إن الخطاب للأولياء لقوله : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ونسبة الطلاق والإمساك والتسريح للأولياء بعيد جدا.
فبلغن أي : قاربن انقضاء العدة والأجل، هو الذي ضربه اللّه للمعتدّات من الأقراء، والأشهر، ووضع الحمل. وأضاف الأجل إليهن لأنه أمس بهنّ، ولهذا قيل : الطلاق للرجال والعدة للنساء، ولا يحمل : بلغن أجلهنّ على الحقيقة، لأن الإمساك إذ ذاك ليس له، لأنها ليست بزوجة، إذ قد تقضت عدتها فلا سبيل له عليها.