البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٩١
على الزوج، فأنزل اللّه فيهنّ ما أنزل من الاحكام، وحدّ حدودا لا تتعدى، وأخبرهم أن من خالف فهو ظالم متعدّ، أكد ذلك بالنهي عن اتخاذ آيات اللّه، التي منها هذه الآيات النازلة في شأن النساء، هزؤا، بل تؤخذ وتتقبل بجد واجتهاد، لأنها من أحكام اللّه، فلا فرق بينها وبين الآيات التي نزلت في سائر التكاليف التي بين العبد وربه، وبين العبد والناس.
وانتصب : هزؤا، على أنه مفعول ثان : لتتخذوا، وتقول : هزأ به هزؤا استخف.
وقرأ حمزة : هزأ، بإسكان الزاي، وإذا وقف سهل الهمزة على مذهبه في تسهيل الهمز، وذكروا في كيفية تسهيله عنده فيه وجوها تذكر في علم القراآت، وهو من تخفيف فعل : كعنق، وقد تقدم الكلام في ذلك. قال عيسى بن عمر : كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وثانيه ففيه لغتان : التخفيف والتثقيل.
وقرأ هزوا بضم الزاي وابدال من الهمزة واوا، وذلك لأجل الضم.
وقرأ الجمهور : هزؤا بضمتين والهمز، قيل : وهو الأصل، وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله تعالى :(أ تتخذنا هزؤا) «١».
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ هذا أمر معطوف على أمر في المعنى، وهو : ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا، والنعمة هنا ليست التاء فيها للوحدة، ولكنها بني عليها المصدر، ويريد : النعم الظاهرة والباطنة، وأجلها ما أنعم به من الإسلام ونبوّة محمد عليه الصلاة والسلام.
و : ما أنزل عليكم، معطوف على نعمة، وهو تخصيص بعد تعميم، إذ ما أنزل هو من النعمة، وهذا قد ذكرنا أنه يسمى التجريد، كقوله : وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «٢» بعد ذكر الملائكة، وتقدم القول فيه، وأتى : بعليكم، تنبيها للمأمورين وتشريفا لهم، إذ في الحقيقة ما أنزل إلّا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولكنه لما كنا مخاطبين بأحكامه، ومكلفين باتباعه، صار كأنه نزل علينا.
و : الكتاب، القرآن، و : الحكمة، هي السنة التي بها كمال الأحكام التي لم يتضمنها القرآن، والمبينة ما فيه من الإجمال. ودل هذا على أن السنة أنزلها اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم، كما قال تعالى : وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «٣».

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٦٧.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٩٨.
(٣) سورة النجم : ٥٣/ ٣.


الصفحة التالية
Icon