البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٩٥
ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلك خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، وقيل : لكل سامع، ثم رجع إلى خطاب الجماعة فقال : منكم، وقيل : ذلك بمعنى :
ذلكم، وأشار بذلك إلى ما ذكر في الآية من النهي عن العضل، و : ذلك، للبعد ناب عن اسم الإشارة الذي للقرب، وهو : هذا، وان كان الحكم قريبا ذكره في الآية، وذلك يكون لعظمة المشير إلى الشيء، ومعنى : يوعظ به أي يذكر به، ويخوّف. و : منكم، متعلق بكان، أو بمحذوف في موضع الحال من الضمير المستكن في : يؤمن، وذكر الإيمان باللّه لأنه تعالى هو المكلف لعباده، الناهي لهم، والآمر. و : اليوم الآخر، لأنه هو الذي يحصل به التخويف، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي. وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلّا المؤمن، إذ نور الإيمان يرشده إلى القبول إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ «١» وسلامة عقله تذهب عنه مداخلة الهوى، إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ «٢».
ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ أي : التمكن من النكاح أزكى لمن هو بصدد العضل لما له في امتثال أمر اللّه من الثواب، وأطهر للزوجين لما يخشى عليهما من الريبة إذا منعا من النكاح، وذلك بسبب العلاقات التي بين النساء والرجال.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي : يعلم ما تنطوي عليه قلوب الزوجين من ميل كل منهما للآخر، لذلك نهى تعالى عن العضل، قال معناه ابن عباس أو : يعلم ما فيه من اكتساب الثواب وإسقاط العقاب. أو : يعلم بواطن الأمور ومآلها. وأنتم لا تعلمون ذلك، إنما تعلمون ما ظهر. أو : يعلم من يعمل على وفق هذه التكاليف ومن لا يعمل بها. ويكون المقصود بذلك : تقرير الوعد والوعيد.
قيل : وتضمنت هذه الآية ستة أنواع من ضروب الفصاحة، والبلاغة، من علم البيان.
الأول : الطباق، وهو الطلاق والإمساك، فإنهما ضدان، والتسريح طباق ثان لأنه ضد الإمساك، والعلم وعدم العلم، لأن عدم العلم هو الجهل.
الثاني : المقابلة في فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً قابل المعروف بالضرار، والضرار منكر فهذه مقابلة معنوية.
(١) سورة الأنعام : ٦/ ٣٦.
(٢) سورة الرعد : ١٣/ ١٩ والزمر : ٣٩/ ٩.