البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٩٨
لا يتعدى، وإنما ذلك لمن أراد الإتمام، أما من لا يريده فله فطم الولد دون بلوغ ذلك إذا لم يكن فيه ضرر للولد، وروي عن قتادة أنه قال : تضمنت فرض الإرضاع على الوالدات، ثم يسر ذلك وخفف، فنزل : لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ قال ابن عطية : وهذا قول متداع.
قال الراغب : وفي قوله : حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ تنبيه على أنه لا يجوز تجاوز ذلك، وأن لا حكم للرضاع بعد الحولين، وتقوية لا رضاع بعد الحولين، والرضاعة من المجاعة، ويؤكده أن كل حكم في الشرع علق بعدد مخصوص يجوز الإخلال به في أحد الطرفين لم يجز الإخلال به في الطرف الآخر، كخيار الثلاث، وعدد حجارة الاستنجاء، والمسح على الخفين يوما وليلة وثلاثة أيام، ولما كان الرضاع يجوز الإخلال في أحد الطرفين، وهو النقصان، لم تجز مجاوزته. انتهى كلامه.
وقال غيره : ذكر الحولين ليس على التوقيت الواجب، وإنما هو لقطع المشاجرة بين الوالدين، وجمهور الفقهاء على أنه يجوز الزيادة والنقصان إذا رأيا ذلك.
واللام في : لمن، قيل : متعلقة بيرضعن، كما تقول : أرضعت فلانة لفلان ولده، وتكون اللام على هذا للتعليل أي : لاجله، فتكون : من واقعة على الأب، كأنه قيل : لأجل من أراد أن يتم الرضاعة على الآباء، وقيل : اللام للتبيين، فيتعلق بمحذوف كهي في قولهم : سقيا لك. وفي قوله تعالى : هَيْتَ لَكَ «٥» فاللام لتبيين المدعو له بالسقي، وللمهيت به، وذلك أنه لما قدم قوله : يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ بين أن هذا الحكم إنما هو : لمن يريد أن يتم الرضاعة من الوالدات، فتكون : من، واقعة على الأم، كأنه قيل : لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ من الوالدات. أو تكون، من، واقعة على الوالدات والمولود له، كل ذلك يحتمله اللفظ.
وقرأ الجمهور : أن يتم الرضاعة بالياء من : أتم، ونصب الرضاعة. وقرأ مجاهد، والحسن، وحميد، وابن محيصن، وأبو رجاء : تتم، بالتاء من تم، ورفع الرضاعة. وقرأ أبو حنيفة، وابن أبي عبلة، والجارود بن أبي سبرة كذلك، إلّا أنهم كسروا الراء من الرضاعة، وهي لغة : كالحضارة والحضارة، والبصريون يقولون بفتح الراء مع الهاء وبكسرها دون الهاء، والكوفيون يعكسون ذلك، وروي عن مجاهد أنه قرأ : الرضعة، على وزن القصعة، وروي عن ابن عباس أنه قرأ : أن يكمل الرضاعة، بضم الياء، وقرىء : أن يتم، برفع

_
(٥) سورة يوسف : ١٢/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon