البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥١٤
وحفظ القرآن تذكره غائبا، وهو راجع لمعنى الحراسة، وحفظ فلان : غضب، وأحفظه :
أغضبه، ومصدر : حفظ، بمعنى غضب : الحفيظة والحفظ.
الركوب : معروف، وركبان : جمع راكب، وهو صفة استعملت استعمال الأسماء، فحسن أن يجمع جمع الأسماء، ومع ذلك فهو في الأسماء محفوظ قليل، قالوا : حاجر وحجران، ومثل، ركبان : صحبان، ورعيان، جمع صاحب وراع، فإن لم تستعمل الصفة استعمال الأسماء لم يجىء فيها فعلان، لم يرد مثل : ضربان وقتلان في جمع : ضارب وقاتل.
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدّم ذكر عدة طلاق الحيض، واتصلت الأحكام إلى ذكر الرضاع، وكان في ضمنها قوله وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ «١» أي : وارث المولود له، ذكر عدة الوفاة إذ كانت مخالفة لعدة طلاق الحيض.
وقرأ الجمهور : يتوفون، بضم الياء مبنيا للمفعول وقرأ علي، والمفضل، عن عاصم : بفتح الياء مبنيا للفاعل، ومعنى هذه القراءة أنهم : يستوفون آجالهم.
وإعراب : الذين، مبتدأ واختلف أنه خبر أم لا؟ فذهب الكسائي والفراء إلى أنه لا خبر له، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن : بالذين، لأن الحديث معهن في الاعتداد بالأشهر، فجاء الخبر عما هو المقصود، والمعنى : من مات عنها زوجها تربصت، وأنشد الفراء رحمه اللّه :
لعلّي إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبي ذيان أن يتندّما
فقال : لعلّي، ثم قال : أن يتندّما، لأن المعنى : لعل ابن أبي ذيان إن مالت بي الريح ميلة أن يتندما وقال الشاعر :
بني أسد إن ابن قيس، وقتله بغير دم، دار المذلة حلت
ألغى ابن قيس، وقد ابتدأ بذكره وأخبر عن قتله أنه ذلّ وتحرير مذهب الفراء أن العرب إذا ذكرت أسماء مضافة إليها، فيها معنى الخبر، أنها تترك الإخبار عن الاسم الأول ويكون

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٣٣.


الصفحة التالية