البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥١٦
وروي عن أبي حنيفة أن عدة الكتابية ثلاث حيض إذا توفي عنها زوجها، وروي عنه أن عليها عدّة، فإن لم يدخل فلا عدة قولا واحدا، ويتخرج على هذين القولين الإحداد، وتخصيص الحامل قيل : بقوله وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ «١» الآية، ولم يخصص الشافعي هنا العموم في حق الحامل إلّا بالسنة لا بهذه الآية، لأنها وردت عقيب ذكر المطلقات، فيحتمل أن يقال : هي في المطلقة، لا في المتوفى عنها زوجها، ولأن كل واحدة من الآيتين أعم من الأخرى من وجه، وأخص منها من وجه، لأن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا يتوفى، والتي توفي عنها زوجها قد تكون حاملا وقد لا تكون، فامتنع التخصيص.
وقيل : الآية تتناول أولا الحوامل، ثم نسخ بقوله : وَأُولاتُ الْأَحْمالِ «٢» وعدة الحامل وضع حملها عند الجمهور.
وروي عن علي، وابن عباس، وغيرهما : أن تمام عدتها آخر الأجلين
، واختاره سحنون، وروي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك.
ومعنى : يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أي : ينتظرن. قيل : والتربص هنا الصبر عن النكاح، قاله الحسن، قال : وليس الإحداد بشيء ولها أن تتزين وتتطيب، وضعف قوله. وقيل : ترك التزوج ولزوم البيت والإحداد، وهو أن تمتنع من الزينة، ومن لبس المصبوغ الجميل مثل الحمرة والصفرة والخضرة، والطيب، وما يجري مجرى ذلك. وهذا قول الجمهور، وليس في الآية نص على الإحداد، بل التربص مجمل بينته السنة، ثبت
في حديث الفريعة قوله صلى اللّه عليه وسلم :«امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله».
وكانت متوفى عنها زوجها، قالت :
فاعتددت أربعة أشهر وعشرا. وصح أنه
قال :«لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، وتلزم المبيت في بيتها». وهذا قول الجمهور، وقال ابن عباس، وأبو حنيفة، وغيرهما : تبيت حيث شاءت، وروي ذلك عن علي
، وجابر، وعائشة، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، والحسن، وداود.
قال ابن عباس : قال تعالى : يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ولم يقل : يعتددن في بيوتهن، ولتعتد حيث شاءت أربعة أشهر وعشرا، قالوا : معناه وعشر ليال، ولذلك حذف التاء وهي قراءة ابن عباس. والمراد عشر ليال بأيامها، فيدخل اليوم العاشر، قيل : وغلب حكم الليالي
(١ - ٢) سورة الطلاق : ٦٥/ ٤.