البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٢٠
لتخفيف براءة الرحم عن ماء الزوج، ثم إذا انقضت العدة أبيح لها التزوج بزوج آخر، إذ الموت لا يستديم موافاة إلى آخر عمر أحد. كما قيل :
وكما تبلى وجوه في الثرى فكذا يبلى عليهنّ الحزن
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ. بلوغ أجلهنّ هو انقضاء المدة المضروبة في التربص، والمخاطبون : بعليكم، الأولياء، أو الأئمة والحكام والعلماء، إذ هم الذين يرجع إليهم في الوقائع، أو عامة المؤمنين. أقوال، ورفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهنّ لأنهم هم الذين ينكرون عليهنّ، ويأخذونهنّ بأحكام العدد، أو لأنهم إذ ذاك يسوغ لهم نكاحهن، إذ كان ذلك في العدّة حراما، فزال الجناح بعد انقضاء العدة.
والذي فعلن بأنفسهن : النكاح الحلال، قاله مجاهد، وابن شهاب، أو : الطيب، والتزين، والنقلة من مسكن إلى مسكن، قاله أبو جعفر الطبري، ومعنى : بالمعروف أي :
بالإشهاد، وقيل : ما أذن فيه الشرع مما يتوقف النكاح عليه، وقال الزمخشري : فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من التعرض للخطاب، بالمعروف : بالوجه الذي لا ينكره الشرع، والمعنى :
أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمه أن يكفوهن، وإن فرطوا كان عليهم الجناح.
انتهى كلامه. وهو حسن.
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ وعيد يتضمن التحذير، وخبير للمبالغة، وهو العلم بما لطف والتقصي له.
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ نفى اللّه الحرج في التعريض بالخطبة، وهو : إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإن من عزمي أن أتزوج وإني فيك لراغب، وما أشبه ذلك، أو : أريد النكاح، وأحب امرأة كذا وكذا يعد أوصافها، قاله ابن عباس. أو : إنك لنافقة، وإن قضي شيء سيكون، قاله الشعبي. أو :
يصف لها نفسه، وفخره، وحسبه، ونسبه، كما فعل الباقر مع سكينة بنت حنظلة، أو يقول لوليها : لا تسبقني بها، كما
قال صلى اللّه عليه وسلم لفاطمة بنت قيس :«كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك». وقد أوّل هذا على أنه منه صلى اللّه عليه وسلم لفاطمة على سبيل الرأي فيمن يتزوجها، لا أنه أرادها لنفسه
، ولذلك كره مجاهد أن يقول : لا تسبقيني بنفسك، ورآه من المواعدة سرا، أو يقول : ما عليك تأيم، ولعل اللّه يسوق إليك خيرا، أو رب رجل يرغب فيك، أو : يهدي لها ويقوم بشغلها إذا كانت له رغبة في تزويجها.