البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٢٣
فواعدوهن محذوفا، تقديره : النكاح، وقيل : انتصب على أنه نعت مصدر محذوف، تقديره : مواعدة سرا. وقيل التقدير في : وانتصب انتصاب الظرف، على أن المواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن لإن مسارتهن في الغالب بما يستحي من المجاهرة به، والذي تدل عليه الآية أنهم : نهوا أن يواعد الرجل المرأة في العدة أن يطأها بعد العدة بوجه التزويج.
وأما تفسير السر هنا بالزنا فبعيد، لأنه حرام على المسلم مع معتدة وغيرها، وأما إطلاق المواعدة سرا على النقد فبعيد أيضا، وأيد قول الجمهور فبعيد أيضا، لأنهم نهوا عن المواعدة بالنكاح سرا وجهرا، فلا فائدة في تقييد المواعدة بالسر.
إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً. هذا الاستثناء منقطع لأنه لا يندرج تحت : سرا، من قوله : وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا على أي تفسير فسرته، والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض، وقال الضحاك : من القول المعروف أن تقول للمعتدة : احبسى عليّ نفسك فإن لي بك رغبة فتقول هي : وأنا مثل ذلك.
قال ابن عطية : وهدا عندي مواعدة.
وإنما التعريض قول الرجل : إنكن لإماء كرام، وما قدر كان، وإنك لمعجبة ونحو هذا.
وقال الزمخشري : إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا.
فان قلت : بم يتعلق حرف الاستثناء؟ قلت : بلا تواعدوهنّ، أي : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلّا مواعدة معروفة غير منكرة، أو : لا تواعدوهنّ إلّا بأن تقولوا، أي : لا تواعدوهنّ إلّا التعريض، ولا يجوز أن يكون استثناء من : سرا، لادائه إلى قولك :
لا تواعدوهن إلّا التعريض انتهى كلام الزمخشري. ويحتاج إلى توضيح، وذلك أنه جعله استثناء متصلا باعتبار أنه استثناء مفرغ، وجعل ذلك على وجهين.
أحدهما : أن يكون استثناء من المصدر المحذوف، وهو الوجه الأول الذي ذكره، وقدّره : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلّا مواعدة معروفة غير منكرة، فكأن المعنى : لا تقولوا لهن قولا تعدونهن به إلّا قولا معروفا، فصار هذا نظير : لا تضرب زيدا ضربا شديدا.
والثاني : أن يكون استثناء مفرغا من مجرور محذوف، وهو الوجه الثاني الذي ذكره، وقدره : إلّا بأن تقولوا، ثم أوضحه بقوله : إلّا بالتعريض، فكان المعنى : لا تواعدوهنّ


الصفحة التالية
Icon