البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٧٢
وما لنا غير مقاتلين، فيكون مثل قوله تعالى : ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ «١» ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً «٢» وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «٣» وكقول العرب : ما لك قائما؟ وقال تعالى : فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ «٤» وذهب قوم منهم ابن جرير إلى حذف الواو من :
أن لا نقاتل، والتقدير : وما لنا ولأن لا نقاتل؟ قال : كما تقول : إياك أن تتكلم، بمعنى إياك وأن تتكلم، وهذا ومذهب أبي الحسن ليسا بشيء، لأن الزيادة والحذف على خلاف الأصل، ولا نذهب إليهما إلّا لضرورة، ولا ضرورة تدعو هنا إلى ذلك مع صحة المعنى في عدم الزيادة والحذف، وأما : إياك أن تتكلم، فليس على حذف حرف العطف، بل : إياك، مضمن معنى احذر. فأن تتكلم في موضع نصب كأنه قيل : احذر التكلم، وقد أخرجنا جملة حالية : أنكروا ترك القتال، وقد التبسوا بهذه الحال من إخراجهم من ديارهم وأبنائهم، والقائل هذا لم يخرج، لكنه أخرج مثله، فكان ذلك إخراجا له، ويمكن حمله على الظاهر، لأن كثيرا منهم استولي على بلادهم، وأسر أبناؤهم، فارتحلوا إلى غير بلادهم التي كان منشأهم بها، كما مر في قصتهم.
وقرأ عبيد بن عمير : وقد أخرجنا، أي العدوّ، والمعنى. في : وأبنائنا، أي : من بين أبنائنا، وقيل : هو على القلب أي : وأخرج منا أبناؤنا، ويحتمل أن يكون الفاعل : بأخرجنا، على قراءة عبيد المذكور ضميرا يعود على اللّه، أي : وقد أخرجنا اللّه بعصياننا وذنوبنا، فنحن نتوب ونقاتل في سبيله ليردنا إلى أوطاننا، ويجمع بيننا وبين أبنائنا، كما تقول : ما لي لا أطيع اللّه وقد عاقبني على معصيته؟ فينبغي أن أطيعه حتى لا يعاقبني، قال القشيري :
أظهروا التجلد والتصلب في القتال ذبا عن أموالهم ومنازلهم حيث قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فلذلك لم يتم قصدهم، لأنه لم يخلص لحق اللّه عزمهم، ولو أنهم قالوا : وما لنا أن لا نقاتل في سبيل اللّه، لأنه قد أمرنا، وأوجب علينا، لعلهم وفقوا لإتمام ما قصدوا.
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ هذا شأن المترف المنعم، متى كان متلبسا بالنعمة قوي عزمه وأنف، فإذا ابتلي بشيء من الخطوب ركع وذلّ.
التولي : حقيقة هو عند المباشرة للحرب، ومعناه هنا : صرف عزائمهم عن ما سألوه

_
(١) سورة يوسف : ١٢/ ١١.
(٢) سورة نوح : ٧١/ ١٣.
(٣) سورة الحديد : ٥٧/ ٨.
(٤) سورة المدثر : ٧٤/ ٤٩.


الصفحة التالية
Icon