البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٨٦
وقرأ الجمهور : بنهر، بفتح الهاء. وقرأ مجاهد، وحميد الأعرج، وأبو السماك، وغيرهم : بإسكان الهاء في جميع القرآن.
وظاهر قول طالوت : ان اللّه يوحي، إمالة على قول من قال : إنه نبي، أو يوحي إلى نبيهم، وإخبار النبي طالوت بذلك قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون هذا مما ألهم اللّه طالوت إليه، فجرت به جنده، وجعل الإلهام ابتلاء من اللّه لهم، ومعنى هذا الابتلاء اختبارهم، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه يطيع، فيما عدا ذلك، ومن غلبته شهوته في الماء، وعصى الأمر فهو بالعصيان في الشدائد أحرى. انتهى كلامه. وبعد أن يخبر طالوت عن ما خطر بباله بأنه قول اللّه، على طريق الجزم عن اللّه.
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي أي : ليس من أتباعي في هذه الحرب، ولا أشياعي، ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان نحو :
«من غشنا فليس منا»
، «ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود»
، أو : ليس بمتصل بي ومتحد معي، من قولهم : فلان مني كأنه بعضه، لاختلاطهما واتحادهما قال النابغة :
إذا حاولت في أسد فجورا فإني لست منك ولست مني
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي أي : من لم يذقه، وطعم كل شيء ذوقه، ومنه التطعم، يقال : تطعمت منه أي : ذقته، وتقول العرب لمن لا تميل نفسه إلى مأكول، تطعم منه يسهل أكله، قال ابن الانباري : العرب تقول : أطعمتك الماء تريد أذقتك، وطعمت الماء أطعمه بمعنى ذقته قال الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء عليكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
النقاخ : العذب، والبرد : النوم، ويقال : ما ذقت غماضا. وفي حديث أبي ذر. «في ماء زمزم. طعام طعم»
وفي الحديث :«ليس لنا طعام إلّا الأسودين : التمر والماء»
. والطعم يقع على الطعام والشراب، واختير هذا اللفظ لأنه أبلغ، لأن نفي الطعم يستلزم نفي الشرب، ونفي الشرب لا يستلزم نفي الطعم، لأن الطعم ينطلق على الذوق، والمنع من الطعم أشق في التكليف من المنع من الشرب، إذ يحصل بإلقائه في الفم، وإن لم يشربه، نوع راحة.
وفي قوله : وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ دلالة على ان الماء طعام، وقد تقدّم أيضا ما يدل على ذلك.


الصفحة التالية
Icon