البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٩٦
ويحسن إليه. واندرج في عموم العالمين، وقال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ «١» وما من أحد إلّا وللّه عليه فضل، ولو لم يكن إلّا فضل الاختراع.
وهذا الذي أبديناه من فائدة الاستدراك هو على ما قرره أهل العلم باللسان من أن :
لكن، تكون بين متنافيين بوجه ما ويتعلق على العالمين بفضل، لأن فعله يتعدى : بعلى، فكذلك المصدر، وربما حذفت : على، مع الفعل، تقول : فضلت فلانا أي على فلان، وجمع بين الحذف والإثبات في قول الشاعر :
وجدنا نهشلا فضلت فقيما كفضل ابن المخاض على الفصيل
وإذا عدى إلى مفعول به بالتضعيف لزمت عليه، كقوله : فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ «٢».
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ تلك إشارة للبعيد، وآيات اللّه قيل : هي القرآن، والأظهر أنها الآيات التي تقدمت في القصص السابق من خروج أولئك الفارين من الموت، وإماتة اللّه لهم دفعة واحدة، ثم أحياهم إحياءة واحدة، وتمليك طالوت على بني إسرائيل وليس من أولاد ملوكهم، والإتيان بالتابوت بعد فقده مشتملا على بقايا من إرث آل موسى وآل هارون، وكونه تحمله الملائكة معاينة على ما نقل عن ترجمان القرآن ابن عباس، وذلك الابتلاء العظيم بالنهر في فصل القيظ والسفر، وإجابة من توكل على اللّه في النصرة، وقتل داود جالوت، وإيتاء اللّه إياه الملك والحكمة، فهذه كلها آيات عظيمة خوارق، تلاها اللّه على نبيه بالحق أي مصحوبة بالحق لا كذب فيها ولا انتحال، ولا بقول كهنة، بل مطابقا لما في كتب بني إسرائيل. ولأمّة محمد صلى اللّه عليه وسلم من هذا القصص الحظ الأوفر في الاستنصار باللّه والإعداد للكفار، وأن كثرة العدد قد يغلبها العقل، وأن الوثوق باللّه والرجوع إليه هو الذي يعوّل عليه في الملمات، ولما ذكر تعالى أنه تلا الآيات على نبيه، أعلم أنه من المرسلين، وأكد ذلك بان واللام حيث أخبر بهذه الآية، من غير قراءة كتاب، ولا مدارسة أحبار، ولا سماع أخبار.
وتضمنت الآيات الكريمة أخبار بني إسرائيل حيث استفيدوا تمليك طالوت عليهم أن لذلك آية تدل على تملكيه، وهو أن التابوت الذي فقدتموه يأتيكم مشتملا على ما كان فيه من السكينة والبقية المخلفة عن آل موسى وآل هارون، وأن الملائكة تحمله، وان في ذلك

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٣.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٩٥.


الصفحة التالية
Icon