البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٠٦
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ «١» أو : ولا شفاعة إلّا بإذن اللّه، قال تعالى :
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ «٢» وقال : وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى «٣» فعلى الخصوص بالكفار لا شفاعة لهم ولا منهم، وعلى تأويل الإذن : لا شفاعة للمؤمنين إلّا بإذنه. وقيل : المراد العموم، والمعنى أن انتداب الشافع وتحكمه على كره المشفوع عنده لا يكون يوم القيام البتة، وأما الشفاعة التي توجد بالإذن من اللّه تعالى فحقيقتها رحمة اللّه، لكن شرف تعالى الذي أذن له في أن يشفع.
وقد تعلق بقوله : ولا شفاعة، منكرو الشفاعة، واعتقدوا أن هذا نفي لأصل الشفاعة، وقد أثبتت الشفاعة في الآخرة مشروطة بإذن اللّه ورضاه، وصح حديث الشفاعة الذين تلقته الأمّة بالقبول، فلا التفات لمن أنكر ذلك.
وقرأ ابن كثير، ويعقوب، وأبو عمرو : بفتح الثلاثة من غير تنوين، وكذلك : لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ «٤» في إبراهيم و : لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ «٥» في الطور وقرأ الباقون جميع ذلك بالرفع والتنوين، وقد تقدّم الكلام على إعراب الاسم بعد : لا، مبنيا على الفتح، ومرفوعا منونا، فأغنى ذلك عن إعادته.
والجملة من قوله : لا بيع، في موضع الصفة، ويحتاج إلى إضمار التقدير :
ولا شفاعة فيه، فحذف لدلالة : فيه، الأولى عليه.
وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ يعني الجائرين الحدّ، و : هم، يحتمل أن يكون بدلا من : الكافرون، وأن يكون مبتدأ، وأن يكون فصلا. قال عطاء بن دينار : الحمد للّه الذي قال : والكافرون، ولم يقل : والظالمون هم الكافرون، ولو نزل هكذا لكان قد حكم على كل ظالم، وهو من يضع الشيء في غير موضعه، بالكفر، فلم يكن ليخلص من الكفر كل عاص إلّا من عصمه اللّه من العصيان.
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ هذه الآية تسمى آية الكرسي لذكره فيها، وثبت في (صحيح مسلم) من حديث أبيّ أنها أعظم آية، وفي (صحيح البخاري) من حديث أبي هريرة : أن قارئها إذا آوى إلى فراشه لن يزال عليه من اللّه حافظ ولا يقربه شيطان حتى

_
(١) سورة الشعراء : ٢٦/ ١٠٠ و١٠١.
(٢) سورة سبأ : ٣٤/ ٢٣.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١/ ٢٨.
(٤) سورة إبراهيم : ١٤/ ٣١.
(٥) سورة الطور : ٥٢/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon