البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦١١
الذي قالوا يكون : ذا، اسم إشارة، وفي ذلك بعد، لأن : ذا، إذا كان اسم إشارة وكان خبرا عن : من، استقلت بهما الجملة، وأنت ترى احتياجها إلى الموصول بعدها.
والذي يظهر أن : من، الاستفهامية ركب معها : ذا، وهو الذي يعبر عنها بعض النحويين أن : ذا، لغو، فيكون : من ذا، كله في موضع رفع بالابتداء، والموصول بعدهما هو الخبر، إذ به يتم معنى الجملة الابتدائية، و : عنده، معمول : ليشفع، وقيل : يجوز أن يكون حالا من الضمير في يشفع، فيكون التقدير : يشفع مستقرا عنده، وضعف بأن المعنى على يشفع إليه. وقيل : الحال أقوى لأنه إذا لم يشفع من هو عنده وقريب منه، فشفاعة غيره أبعد، و : بإذنه، متعلق : بيشفع، والباء للمصاحبة، وهي التي يعبر عنها بالحال، أي :
لا أحد يشفع عنده إلّا مأذونا له.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ الضمير يعود على : ما، وهم الخلق، وغلب من يعقل، وقيل : الضميران في : أيديهم وخلفهم، عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه قوله : لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قاله ابن عطية، وجوّز ابن عطية أن يعود على ما دل عليه : من ذا، من الملائكة والأنبياء. وقيل : على الملائكة، قاله مقاتل، و : ما بين أيديهم، أمر الآخرة، و : ما خلفهم، أمر الدنيا. قاله ابن عباس، وقتادة، أو العكس قاله مجاهد، وابن جريح، والحم بن عتبة، والسدّي وأشياخه.
و : ما بين أيديهم، هو ما قبل خلقهم، و : ما خلفهم، هو ما بعد خلقهم، أو : ما بين أيديهم، ما أظهروه، و : ما خلفهم، ما كتموه. قاله الماوردي، أو : ما بين أيديهم، من السماء إلى الأرض، و : ما خلفهم، ما في السموات. أو : ما بين أيديهم، الحاضر من أفعالهم وأحوالهم، و : ما خلفهم، ما سيكون. أو : عكسه، ذكر هذين القولين تاج القرّاء في تفسيره.
أو : ما بين أيدي الملائكة من أمر الشفاعة، وما خلفهم من أمر الدنيا أو بالعكس قاله مجاهد. أو ما فعلوه وما هم فاعلوه، قاله مقاتل.
والذي يظهر أن هذا كناية عن إحاطة علمه تعالى بسائر المخلوقات من جميع الجهات وكنى بهاتين الجهتين عن سائر جهات من أحاط علمه به، كما تقول : ضرب زيد الظهر والبطن، وأنت تعني بذلك جميع جسده، واستعيرت الجهات لأحوال المعلومات،