البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦١٥
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف؟
قلت : ما منها جملة إلّا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه، والبيان متحد بالمبين، فلو توسط بينهما عطف لكان كما تقول العرب : بين العصا ومحائها، فالأولى : بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه والثانية : لكونه مالكا لما يدبره.
والثالثة : لكبرياء شأنه، والرابعة : لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضى. والخامسة : لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها، أو :
بجلاله وعظيم قدره. انتهى كلامه.
وتضمنت هذه الآية الكريمة صفات الذات، منها : الوحدانية، بقوله : لا إله إلا هو، والحياة، الدالة على البقاء بقوله : الحي، و : القدرة، بقوله : القيوم، واستطرد من القيومية لانتفاء ما يؤول إلى العجز، وهو ما يعرض للقادر غيره تعالى من الغفلة والآفات، فينتفي عنه وصفه بالقدرة إذ ذاك، واستطرد من القيومية الدالة على القدرة إلى ملكه وقهره وغلبته لما في السموات والأرض، إذ الملك آثار القدرة، إذ للمالك التصرف في المملوك.
و : الارادة، بقول : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فهذا دال على الإختيار والإرادة، و : العلم بقوله : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ثم سلب عنهم العلم، إلّا أن أعلمهم هو تعالى، فلما تكملت صفات الذات العلا، واندرج معها شيء من صفات الفعل وانتفى عنه تعالى أن يكون محلا للحوادث، ختم ذلك بكونه : العلي القدر العظيم الشأن.
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ذكر في سبب نزولها أقوال مضمون أكثرها : أن بعض أولاد الأنصار تنصر، وبعضهم تهوّد، فأراد آباؤهم أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت. وقال أنس : نزلت فيمن قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«أسلم». فقال : أجدني كارها.
واختلف أهل العلم في هذه الآية : أهي منسوخة؟ أم ليست بمنسوخة؟ فقيل : هي منسوخة، وهي من آيات الموادعة التي نسختها آية السيف، وقال قتادة، والضحاك : هي محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية، قالا : أمر بقتال أهل الأوثان لا يقبل منهم إلّا الإسلام أو السيف، ثم أمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية. ومذهب مالك : أن الجزية تقبل من كل كافر سوى قريش، فتكون الآية خاصة فيمن أعطى الجزية من الناس كلهم لا يقف ذلك على أهل الكتاب. وقال الكلبي : لا إكراه بعد إسلام العرب، ويقبل