البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٢٠
الكفار هو الطاغوت، والأحسن في : يخرجهم ويخرجونهم أن لا يكون له موضع من الإعراب، لأنه خرج مخرج التفسير للولاية، وكأنه من حيث إن اللّه ولي المؤمنين بين وجه الولاية والنصر والتأييد، بأنها إخراجهم من الظلمات إلى النور، وكذلك في الكفار.
وجوّزوا أن يكون : يخرجهم، حالا والعامل فيه : ولي، وأن يكون خبرا ثانيا، وجوّزوا أن يكون : يخرجونهم، حالا والعامل فيه معنى الطاغوت. وهو نظير ما قاله أبو عليّ : من نصب : نزّاعة، على الحال، والعامل فيها : لظى، وسنذكره في موضعه ان شاء اللّه و : من، و : إلى، متعلقان بيخرج.
أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ تقدّم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته.
وذكروا في هذه الآيات أنواعا من الفصاحة وعلم البيان، منها في آية الكرسي :
حسن الافتتاح لأنها افتتحت بأجل أسماء اللّه تعالى، وتكرار اسمه في ثمانية عشر موضعا، وتكرير الصفات، والقطع للجمل بعضها عن بعض، ولم يصلها بحرف العطف. والطباق :
في قوله الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ فإن النوم موت وغفلة، والحي القيوم يناقضه. وفي قوله : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ والتشبيه : في قراءة من قرأ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي كوسع، فإن كان الكرسي جرما فتشبيه محسوس بمحسوس، أو معنى فتشبيه معقول بمحسوس.
ومعدول الخطاب في لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ إذا كان المعنى لا تكرهوا على الدين أحدا. والطباق : أيضا في قوله قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ وفي قوله : آمَنُوا وكَفَرُوا وفي قوله مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ والتكرار : في الإخراج لتباين تعليقهما، والتأكيد :
بالمضمر في قوله : هُمْ فِيها خالِدُونَ.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة الإشارة إلى الرسل المذكورين في قوله : وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وأخبر تعالى أنه فضل بعضهم على بعض، فذكر أن مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وفسر بموسى عليه السلام، وبدىء به لتقدّمه في الزمان، وأخبر أنه رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وفسر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وذكر ثالثا عيسى بن مريم، فجاء ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسطا بين هذين النبيين العظيمين، فكان كواسطة العقد، ثم ذكر تعالى أن اقتتال المتقدمين بعد مجيء البينات هو صادر عن مشيئته.