البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٣٧
وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها يعني، بالعظام عظام نفسه، قاله قتادة، والضحاك، والربيع، وابن زيد. أو : عظام حماره، أو عظامهما. زاد الزمخشري : أو عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم، وهذا فيه بعد، لأنهم لم يحيوا له في الدنيا، ولا يمكن أن يكون يقال له في الآخرة وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها وإنما هذا قيل له في الدنيا، فلا يمكن حمله إلّا على عظامه، أو عظام حماره، أو عظامهما. والأظهر أن يراد عظام الحمار، والتقدير : إلى العظام منه، أو، على رأى الكوفيين، أن الألف واللام عوض من الضمير، أي : إلى عظامه، لأنه قد أخبر أنه بعثه، ثم أخبر بمحاورته تعالى له في السؤال عن مقدار ما أقام ميتا، ثم أعقب الأمر بالنظر بالفاء، فدل على أن إحياءه تقدم على المحاورة وعلى الأمر بالنظر.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو : ننشرها، بضم النون والراء المهملة، وقرأ ابن عباس، والحسن، وأبو حيوة، وأبان عن عاصم : بفتح النون والراء المهملة، وهما من أنشر ونشر بمعنى : أحيا. ويحتمل نشر أن يكون ضد الطي، كأن الموت طي العظام والأعضاء، وكأن جمع بعضها إلى بعض نشز وقرأ باقي السبعة : ننشزها، بضم النون والزاي المعجمة. وقرأ النخعي : بفتح النون، وضم الشين والزاي، وروي ذلك عن ابن عباس، وقتادة، قاله ابن عطية. وقال السجاوندي، عن النخعي أنه قرأ بفتح الياء وضمها مع الراء والزاي.
ومعنى : ننشزها، بالزاي : نحركها، أو نرفع بعضها إلى بعض للتركيب للإحياء، يقال : نشز وأنشزته. قال ابن عطية : وتعلق عندي أن يكون معنى النشوز رفع العظام بعضها إلى بعض، وإنما النشوز الارتفاع قليلا، فكأنه وقف على نبات العظام الرفاة، وخرج ما يوجد منها عند الاختراع. وقال النقاشي : ننشزها معناه ننبتها، وانظر استعمال العرب تجده على ما ذكرت لك، ومن ذلك : نشز ناب البعير، والنشز من الأرض على التشبيه بذلك، ونشزت المرأة، كأنها فارقت الحال التي ينبغي أن تكون عليها، وأنشزوا فأنشزوا أي ارتفعوا شيئا فشيئا كنشوز الناب، فبذلك تكون التوسعة، فكأن النشوز ضرب من الارتفاع. ويبعد في الاستعمال لمن ارتفع في حائط أو غرفة : نشز. انتهى كلامه.
وقرأ أبيّ : كيف ننشيها، بالياء أي نخلقها. وقال بعضهم : العظام لا تحيى على الانفراد حتى ينضم بعضها إلى بعض، فالزاي أولى بهذا المعنى، إذ هو بمعنى الانضمام دون الإحياء، فالموصوف بالإحياء الرجل دون العظام. ولا يقال : هذا عظم حي.