البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٤٢
يعود على اللّه، أمره أن يعلم غيره بما شاهد من قدرة اللّه، وعلى ما جوّزوا في : اعلم الأمر، من علم يجوز أن يكون الفاعل ضمير المار.
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى مناسبة هذة الآية لما قبلها في غاية الظهور، إذ كلاهما أتى بها دلالة على البعث المنسوب إلى اللّه تعالى، في قول إبراهيم لنمروذ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ لكن المار على القرية أراه اللّه ذلك في نفسه وفي حماره، وإبراهيم أراه ذلك في غيره، وقدّمت آية المار على آية إبراهيم، وإن كان إبراهيم مقدّما في الزمان على المار، لأنه تعجب من الإحياء بعد الموت، وإن كان تعجب اعتبار فأشبه الإنكار، وإن لم يكن إنكارا فكان أقرب إلى قصة النمروذ وإبراهيم، وأما إن كان المار كافرا فظهرت المناسبة أقوى ظهور. وأما قصة إبراهيم فهي سؤال لكيفية إراءة الإحياء، ليشاهد عيانا ما كان يعلمه بالقلب، وأخبر به نمروذ.
والعامل في : إذ، على ما قالوا محذوف، تقديره : واذكر إذ قال، وقيل : العامل مذكور وهو : ألم تر، المعنى : ألم تر إذ قال، وهو مفعول : بتر. والذي يظهر أن العامل في : إذ، قوله قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ كما قررنا ذلك في قوله وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ «١» وفي افتتاح السؤال بقوله : رب، حسن استلطاف واستعطاف للسؤال، وليناسب قوله لنمروذ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ لأن الرب هو الناظر في حاله، والمصلح لأمره، وحذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة، وهي اللغة الفصحى في نداء المضاف لياء المتكلم، وحذف حرف النداء للدّلالة عليه. و : أرني، سؤال رغبة، وهو معمول : لقال، والرؤية هنا بصيرية، دخلت على رأى همزة النقل، فتعدّت لاثنين : أحدهما ياء المتكلم، والآخر الجملة الاستفهامية.
فقوله : كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى في موضع نصب، وتعلق العرب رأى البصرية من كلامهم، أما ترى، أيّ برق هاهنا. كما علقت : نظر، البصرية. وقد تقرر.
وعلم أن الأنبياء، عليهم السلام، معصومون من الكبائر والصغائر التي فيها رذيلة إجماعا، قاله ابن عطية، والذي اخترناه أنهم معصومون من الكبائر والصغائر على الإطلاق، وإذا كان كذلك، فقد تكلم بعض المفسرين هنا في حق من سأل الرؤية هنا بكلام ضربنا عن ذكره صفحا، ونقول : ألفاظ الآية لا تدل على عروض شيء يشين المعتقد، لأن ذلك سؤال أن يريه عيانا كيفية إحياء الموتى، لأنه لما علم ذلك بقلبه وتيقنه،

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٣٠.


الصفحة التالية
Icon