البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٥٨
قال : لما نزلت مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«رب زد أمّتي». فنزلت إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ «١» وفي (سنن النسائي) قريب من هذا، إلّا أنه ذكر بين الآيتين نزول. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً «٢».
وقوله : لِمَنْ يَشاءُ أي : لمن يشاء التضعيف. وفيه دلالة على حذف، ذلك بمشيئة اللّه تعالى وإرادته. وقال الزمخشري : أي يضاعف تلك المضاعفة لا لكل منفق، لتفاوت أحوال المنفقين، أو يضاعف سبع المائة ويزيد عليها أضعافا لمن يستوجب ذلك. انتهى.
فقوله : لمن يستوجب ذلك، فيه دسيسة الاعتزال.
وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أي : واسع بالعطاء، عليم بالنية. وقيل : واسع القدرة على المجازاة، عليم بمقادير المنفقات وما يرتب عليها من الجزاء.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً. قيل :
نزلت في عثمان، وقيل : في عليّ
وقيل : في عبد الرحمن بن عوف وعثمان، جاء ابن عوف في غزوة تبوك بأربعة آلاف درهم وترك عنده مثلها، وجاء عثمان بألف بعير بأقتابها وأحلاسها، وتصدق برمة ركية كانت له تصدق بها على المسلمين. وقيل : جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما شبه تعالى صفة المنفق في سبيل اللّه بزارع الحبة التي أنجبت في تكثير حسناته ككثرة ما أخرجت الحبة، وكان ذلك على العموم بيّن في هذه الآية أن ذلك إنما هو لمن لا يتبع إنفاقه منا ولا أذى، لأنهما مبطلان للصدقة، كما أخبر تعالى في الآية بعد هذا، بل يراعى جهة الاستحقاق لا جزاء من المنفق عليه ولا شكرا له، فيكون قصده خالصا لوجه اللّه تعالى، فإذا التمس بإنفاقه الشكر والثناء كان صاحب سمعة ورياء، وإن التمس الجزاء كان تاجرا مربحا لا يستحق حمدا ولا شكرا. والمنّ من الكبائر ثبت
في (صحيح مسلم) وغيره أنه أحد «الثلاثة الذين لا ينظر اللّه إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»
. وفي النسائي :«ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمانّ بما أعطى».
وفي قوله : ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ بعد قوله : فِي سَبِيلِ اللَّهِ دلالة على أن النفقة تمضي
(١) سورة الزمر : ٢٩/ ١٠.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٥.