البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٧٩
وروي عن أبي ربيعة، عن البزي : تخفيف التاء كباقي القراء، وهذه التاءات منها ما قبله متحرك، نحو : فَتَفَرَّقَ بِكُمْ «١» فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ «٢» ومنها ما قبله ساكن من حرف المد واللين نحو : وَلا تَيَمَّمُوا ومنها ما قبله ساكن غير حرف مدّولين نحو : فَإِنْ تَوَلَّوْا «٣» ناراً تَلَظَّى «٤» إِذْ تَلَقَّوْنَهُ «٥» هَلْ تَرَبَّصُونَ «٦» قال صاحب (الممتع) : لا يجيز سيبويه إسكان هذه التاء في يتكلمون ونحوه، لأنها إذا سكنت احتيج لها ألف وصل، وألف الوصل لا تلحق الفعل المضارع، فإذا اتصلت بما قبلها جاز، لأنه لا يحتاج إلى همزة وصل. إلّا أن مثل إِنْ تَوَلَّوْا وإِذْ تَلَقَّوْنَهُ لا يجوز عند البصريين على حال لما في ذلك من الجمع بين الساكنين، وليس الساكن الأول حرف مدّولين. انتهى كلامه.
وقراءة البزي ثابتة تلقتها الأمة بالقبول، وليس العلم محصورا ولا مقصورا على ما نقله وقاله البصريون، فلا تنظر إلى قولهم : إن هذا لا يجوز.
وقرأ عبد اللّه : ولا تأمموا، من : أممت، أي : قصدت. وقرأ ابن عباس، والزهري، ومسلم بن جندب : تيمموا.
وحكى الطبري أن في قراءة عبد اللّه ولا تأمّوا، من : أممت، أي : قصدت، والخبيث والطيب صفتان غالبتان لا يذكر معهما الموصوف إلّا قليلا، ولذلك جاء :
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ وجاء : وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ «٧» وقال تعالى : وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ «٨» وقال صلى اللّه عليه وسلم :«أعوذ باللّه من الخبث والخبائث»
و : منه، متعلق بقوله : تنفقون، والضمير في : منه، عائد على الخبيث. و : تنفقون، حال من الفاعل في : تيمموا، قيل : وهي حال مقدرة، لأن الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه، ويجوز أن يكون حالا من المفعول، لأن في الكلام ضميرا يعود عليه، وأجاز قوم أن يكون الكلام في قوله : الخبيث، ثم ابتدأ خبرا آخر في وصف الخبيث، فقال : تنفقون منه، وأنتم لا تأخذونه إلّا إذا أغمضتم، أي تساهلتم، كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع، وفيه تنبيه
(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٥٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١١٧ والشعراء : ٢٦/ ٤٥.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ٣٢. وهود : ١١/ ٥٧، والنور : ٢٤/ ٥٤.
(٤) سورة الليل : ٩٢/ ١٤.
(٥) سورة النور : ٢٤/ ١٥.
(٦) سورة التوبة : ٥٩/ ٥٢.
(٧) سورة النور : ٢٤/ ٢٦.
(٨) سورة الأعراف : ٧/ ١٥٧.