البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٠٩
الاكتساب فَلَهُ ما سَلَفَ أي ما تقدم له أخذه من الربا لا تبعة عليه منه في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا حكم من اللّه لمن أسلم من كفار قريش وثقيف، ومن كان يتجر هنالك. وهذا على قول من قال : الآية مخصوصة بالكفار، ومن قال : إنها عامة فمعناه : فله ما سلف، قبل التحريم.
وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ الظاهر أن الضمير في : أمره، عائد على المنتهي، إذ سياق الكلام معه، وهو بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير، كما تقول : أمره إلى طاعة وخير، وموضع رجاء، والأمر هنا ليس في الربا خاصة، بل وجملة أموره، وقيل : في الجزاء والمحاسبة، وقيل : في العفو والعقوبة، وقيل : أمره إلى اللّه يحكم في شأنه يوم القيامة، لا إلى الذين عاملهم، فلا يطالبونه بشيء، وقيل : المعنى فأجره على اللّه لقبوله الموعظة، قاله الحسن.
وقيل : الضمير يعود على : ما سلف، أي في العفو عنه، وإسقاط التبعة فيه، وقيل :
يعود على ذي الربا، أي : في أن يثبته على الانتهاء، أو يعيده إلى المعصية. قاله ابن جبير، ومقاتل، وقيل : يعود على الربا أي في إمرار تحريمه، أو غير ذلك، وقيل : في عفو اللّه من شاء منه، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وَمَنْ عادَ إلى فعل الربا، والقول بأن البيع مثل الربا، قال سفيان : ومن عاد إلى فعل الربا حتى يموت فله الخلود فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ تقدّم تفسير هذه الجملة الواقعة خبرا : لمن، وحمل فيها على المعنى بعد الحمل على اللفظ، فإن كانت في الكفار فالخلود خلود تأبيد، أو في مسلم عاص فخلوده دوام مكثه لا التأييد.
وقال الزمخشري : وهذا دليل بيّن على تخليد الفساق. انتهى. وهو جار على مذهبه الاعتزالي في : أن الفاسق يخلد في النار أبدا ولا يخرج منها، وورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وصح أن أكل الربا من السبع الموبقات
، وروي عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه : أن رسول اللّه لعن آكل الربا ومؤكله، وسأل مالكا رحمه اللّه رجل رأى سكران يتقافز، يريد أن يأخذ القمر، فقال : امرأته طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم شر من الخمر، أتطلق امرأته؟
فقال له مالك، بعد أن ردّه مرتين : امرأتك طالق، تصفحت كتاب اللّه وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا، لأن اللّه تعالى قد آذن فيه بالحرب.
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أي : يذهب ببركته ويذهب المال الذي يدخل فيه، رواه أبو


الصفحة التالية
Icon