البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٢
الكاتمين، ثم ذكر حال التائبين، ثم ذكر حال من مات من غير توبة منهم. ولأنه لما ذكر أن الكاتمين ملعونون في الدنيا حال الحياة، ذكر أنهم ملعونون أيضا بعد الممات. والجملة من قوله : وَهُمْ كُفَّارٌ، جملة حالية، وواو الحال في مثل هذه الجملة إثباتها أفصح من حذفها، خلافا لمن جعل حذفها شاذا، وهو الفراء، وتبعه الزمخشري، وبيان ذلك في علم النحو. والجملة من قوله : عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ خبر إن، ولعنة اللّه مبتدأ، خبره عليهم.
والجملة من قوله : عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ خبر عن أولئك. والأحسن أن يكون لعنة فاعلا بالمجرور قبله، لأنه قد اعتمد بكونه خبرا لذي خبر، فيرفع ما بعده على الفاعلية، فتكون قد أخبرت عن أولئك بمفرد، بخلاف الإعراب الأول، فإنك أخبرت عنه بجملة.
وقرأ الجمهور : وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، بالجر عطفا على اسم اللّه. وقرأ الحسن : والملائكة والناس أجمعون، بالرفع. وخرج هذه القراءة جميع من وقفنا على كلامه من المعربين والمفسرين على أنه معطوف على موضع اسم اللّه، لأنه عندهم في موضع رفع على المصدر، وقدروه : أن لعنهم اللّه، أو : أن يلعنهم اللّه. وهذا الذي جوزوه ليس بجائز على ما تقرر في العطف على الموضع، من أن شرطه أن يكون ثم طالب ومحرز للموضع لا يتغير، هذا إذا سلمنا أن لعنة هنا من المصادر التي تعمل، وأنه ينحل لأن والفعل. والذي يظهر أن هذا المصدر لا ينحل لأن والفعل، لأنه لا يراد به العلاج. وكان المعنى : أن عليهم اللعنة المستقرة من اللّه على الكفار، أضيفت إلى اللّه على سبيل التخصيص، لا على سبيل الحدوث. ونظير ذلك : أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «١»، ليس المعنى إلا أن يلعن اللّه على الظالمين، وقولهم له ذكاء الحكماء. ليس المعنى هنا على الحدوث وتقدير المصدرين منحلين لأن والفعل، بل صار ذلك على معنى قولهم : له وجه وجه القمر، وله شجاعة شجاعة الأسد، فأضفت الشجاعة للتخصيص والتعريف، لا على معنى أن يشجع الأسد. ولئن سلمنا أنه يتقدر هذا المصدر، أعني لعنة اللّه بأن والفعل، فهو كما ذكرناه لا محرز للموضع، لأنه لا طالب له. ألا ترى أنك لو رفعت الفاعل بعد ذكر المصدر لم يجز حتى تنون المصدر؟ فقد تغير المصدر بتنوينه، ولذلك حمل سيبويه قولهم : هذا ضارب زيد غدا وعمرا، على إضمار فعل : أي ويضرب عمرا، ولم يجز حمله على موضع زيد لأنه لا محرز للموضع. ألا ترى أنك لو نصبت زيدا لقلت : هذا ضارب زيدا وتنون؟ وهذا أيضا على تسليم مجيء الفاعل مرفوعا بعد المصدر المنون، فهي مسألة

_
(١) سورة هود : ١١/ ١٨.


الصفحة التالية
Icon