البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٢٥
فليكتب، وهو قلق لأجل الفاء، ولأجل أنه لو كان متعلقا بقوله : فليكتب، لكان النظم :
فليكتب كما علمه اللّه، ولا يحتاج إلى تقديم ما هو متأخر في المعنى.
وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون : كما، متعلقا بما في قوله : ولا يأب، أي : كما أنعم اللّه عليه بعلم الكتابة فلا يأب هو، وليفضل كما أفضل عليه. انتهى. وهو خلاف الظاهر. وتكون الكاف في هذا القول للتعليل، وإذا كان متعلقا بقوله : أن يكتب، كان قوله : ولا يأب، نهيا عن الامتناع من الكتابة المقيدة، ثم أمر بتلك الكتابة، لا يعدل عنها، أمر توكيد. وإذا كان متعلقا بقوله : فليكتب، كان ذلك نهيا عن الامتناع من الكتابة على الإطلاق، ثم أمر بالكتابة المقيدة.
وقال الربيع، والضحاك : ولا يأب، منسوخ بقوله : وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ.
فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أي : فليكتب الكاتب، وليملل من وجب عليه الحق، لأنه هو المشهود عليه بأن الدين في ذمّته، والمستوثق منه بالكتابة.
وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ، فيما يمليه ويقربه، وجمع بين اسم الذات وهو : اللّه، وبين هذا الوصف الذي هو : الرب، وإن كان اسم الذات منطوقا على جميع الأوصاف. ليذكره تعالى كونه مربيا له، مصلحا لأمره، باسطا عليه نعمه. وقدم لفظ : اللّه، لأن مراقبته من جهة العبودية والألوهية أسبق من جهة النعم.
وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً أي : لا ينقص بالمخادعة أو المدافعة، والمأمور بالإملال هو المالك لنفسه. وفك المضاعفين في قوله : وليملل، لغة الحجاز، وذلك في ماسكن آخره بجزم، نحو هذا، أو وقف نحو : أملل، ولا يفك في رفع ولا نصب. وقرىء : شيئا بالتشديد.
فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً قال مجاهد، وابن جبير : هو الجاهل بالأمور والإملاء. وقال الحسن : الصبي والمرأة، وقال الضحاك، والسدّي : الصغير. وضعف هذا لأنه قد يصدق السفيه على الكبير، وذكر القاضي أبو يعلى : أنه المبذر. وقال الشافعي :
المبذر لماله المفسد لدينه. وروي عن السدي : أنه الأحمق، وقيل : الذي يجهل قدر المال فلا يمتنع من تبذيره ولا يرغب في تثميره. وقال ابن عباس : الجاهل بالإسلام.
أَوْ ضَعِيفاً قال ابن عباس : وابن جبير : إنه العاجز، والأخرس، ومن به حمق - وقال مجاهد، والسدي : الأحمق. وذكر القاضي أبو يعلى، وغيره : أنه الصغير. وقيل :