البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٣٤
تصيرها ذكرا في الشهادة، لأن شهادة امرأة نصف شهادة، فإذا شهدتا صار مجموع شهادتهما كشهادة ذكر، فقال الزمخشري : من بدع التفاسير.
وقال ابن عطية : هذا تأويل بعيد غير صحيح، ولا يحسن في مقابلة الضلال إلّا الذكر. انتهى.
وما قالاه صحيح، وينبو عنه اللفظ من جهة اللغة ومن جهة المعنى، أما من جهة اللغة فإن المحفوظ أن هذا الفعل لا يتعدى، تقول : أذكرت المرأة فهي مذكر إذا ولدت الذكور، وأما : أذكرت المرأة، أي : صيرتها كالذكر، فغير محفوظ. وأما من جهة المعنى، فإن لو سلم أن : أذكر، بمعنى صيرها ذكرا فلا يصح، لأن التصيير ذكرا شامل للمرأتين، إذ ترك شهادتهما بمنزلة شهادة ذكر فليست إحداهما أذكرت الأخرى على هذا التأويل، إذ لم تصر شهادتهما وحدها بمنزلة شهادة ذكر.
ولما أبهم الفاعل في : أن تضل، بقوله : إحداهما، أبهم الفاعل في : فتذكر، بقوله :
إحداهما، إذ كل من المرأتين يجوز عليها الضلال، والإذكار، فلم يرد : بإحداهما، معيّنة.
والمعنى : إن ضلت هذه أذكرتها هذه، وإن ضلت هذه أذكرتها هذه، فدخل الكلام معنى العموم، وكأنه قيل : من ضل منهما أذكرتها الأخرى، ولو لم يذكر بعد : فتذكر، الفاعل مظهرا للزم أن يكون أضمر المفعول ليكون عائدا على إحداهما الفاعل بتضل، ويتعين أن يكون : الأخرى، هو الفاعل، فكان يكون التركيب : فتذكرها الأخرى. وأما على التركيب القرآني فالمتبادر إلى الذهن أن : إحداهما، فاعل تذكر، والأخرى هو المفعول، ويراد به الضالة، لأن كلّا من الاسمين مقصور، فالسابق هو الفاعل، ويجوز أن يكون : إحداهما، مفعولا، والفاعل هو الأخرى لزوال اللبس، إذ معلوم أن المذكرة ليست الناسية، فجاز أن يتقدّم المفعول ويتأخر الفاعل، فيكون نحو : كسر العصا موسى، وعلى هذا الوجه يكون قد وضع الظاهر موضع المضمر المفعول، فيتعين إذ ذاك أن يكون الفاعل هو : الأخرى، ومن قرأ : أن، بفتح الهمزة و : فتذكر، بالرفع على الاستئناف، قيل : وقال : إن تضل أحداهما، المعنى : أن النسيان غالب على طباع النساء لكثرة البرد والرطوبة، واجتماع المرأتين على النسيان أبعد في العقل من صدور النسيان عن المرأة الواحدة، فأقيمت المرأتان مقام الرجل، حتى إن إحداهما لو نسيت ذكرتها الأخرى، وفيه دلالة على تفضيل الرجل على المرأة.