البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٤٢
مبنيا للفاعل، وأما إذا قدر مبنيا للمفعول فالخطاب للمشهود لهم. وقيل : هو راجع إلى ما وقع النهي عنه، والمعنى وإن تفعلوا شيئا مما نهيتكم عنه، أو تتركوا شيئا مما أمرتكم به، فهو عام في جميع التكاليف، فإنه فسوق بكم، أي : خروج عن أمر اللّه وطاعته.
وَاتَّقُوا اللَّهَ أي : في ترك الضرار، أو : في جميع أوامره ونواهيه. ولما كان قوله وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ خطابا على سبيل الوعيد، أمر بتقوى اللّه حتى لا يقع في الفسق.
وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ هذه جملة تذكر بنعم اللّه التي أشرفها : التعليم للعلوم، وهي جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب، وقيل : هي في موضع نصب على الحال من الفاعل في : واتقوا، تقديره : واتقوا اللّه مضمونا لكم التعليم والهداية. وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون حالا مقدرة. انتهى. وهذا القول، أعني : الحال، ضعيف جدا، لأن المضارع الواقع حالا، لا يدخل عليه واو الحال إلّا فيما شذ من نحو : قمت وأصك عينه. ولا ينبغي أن يحمل القرآن على الشذوذ.
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إشارة إلى احاطته تعالى بالمعلومات، فلا يشذ عنه منها شيء. وفيها إشعار بالمجازاة للفاسق والمتقي، وأعيد لفظ اللّه في هذه الجمل الثلاث على طريق تعظيم الأمر، جعلت كل جملة منها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى ربط بالضمير، بل اكتفي فيها بربط حرف العطف، وليست في معنى واحد، فالأولى : حث على التقوى، والثانية : تذكر بالنعم، والثالثة : تتضمن الوعد والوعيد. وقيل : معنى الآية الوعد، فإن من اتقى علمه اللّه، وكثيرا ما يتمثل بهذه بعض المتطوعة من الصوفية الذين يتجافون عن الاشتغال بعلوم الشريعة، من الفقه وغيره، إذا ذكر له العلم، والاشتغال به، قالوا : قال اللّه : واتقوا اللّه ويعلمكم اللّه، ومن أين تعرف التقوى؟ وهل تعرف إلّا بالعلم؟.
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ. مفهوم الشرط يقتضي امتناع الاستيثاق بالرهن، وأخذه في الحضر، وعند وجدان الكاتب، لأنه تعالى علق جواز ذلك على وجود السفر وفقدان الكاتب، وقد ذهب مجاهد، والضحاك : إلى أن الرهن والائتمان إنما هو في السفر، وأما في الحضر فلا ينبغي شيء من ذلك، ونقل عنهما أنهما لا يجوّزان الارتهان إلّا في حال السفر، وجمهور العلماء على جواز الرهن في الحضر، ومع وجود الكاتب، وأن اللّه تعالى ذكر السفر على سبيل التمثيل للإعذار، لأنه مظنة فقدان