البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٤٦
من معاصي القلب، لأن الشهادة علم قام بالقلب، فلذلك علق الإثم به. وهو من التعبير بالبعض عن الكل :(ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). وإسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ وآكد، ألا ترى أنك تقول : أبصرته عيني؟ وسمعته أذني؟ ووعاه قلبي؟ فأسند الإثم إلى القلب إذ هو متعلق الإثم، ومكان اقترافه، وعنه يترجم اللسان. ولئلا يظنّ أن الكتمان من الآثام المتعلقة باللسان فقط، وأفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح، وهي لها كالأصول التي تتشعب منها، لو خشع قلبه لخشعت جوارحه. وقراءة الجمهور : آثم، اسم فاعل من : أثم قلبه، و : قلبه، مرفوع به على الفاعلية، و : آثم، خبر : إن، وجوّز الزمخشري أن يكون :
آثم، خبرا مقدّما، و : قلبه، مبتدأ. والجملة في موضع خبر : إن، وهذا الوجه لا يجيزه الكوفيون.
وقال ابن عطية : ويجوز أن يكون يعني : آثم ابتداء وقلبه فاعل يسدّ مسدّ الخبر، والجملة خبر إن. انتهى. وهذا لا يصح على مذهب سيبويه وجمهور البصريين، لأن اسم الفاعل لم يعتمد على أداة نفي ولا أداة استفهام، نحو : أقائم الزيدان؟ وأ قائم الزيدون؟ وما قائم الزيدان؟ لكنه يجوز على مذهب أبي الحسن، إذ يجيز : قائم الزيدان؟ فيرفع الزيدان باسم الفاعل دون اعتماد على أداة نفي ولا استفهام. قال ابن عطية : ويجوز أن يكون :
قلبه، بدلا على بدل بعض من كل، يعنى : أن يكون بدلا من الضمير المرفوع المستكن في : آثم، والإعراب الأول هو الوجه.
وقرأ قوم : قلبه، بالنصب، ونسبها ابن عطية إلى ابن أبي عبلة. وقال : قال مكي : هو على التفسير يعنى التمييز، ثم ضعف من أجل أنه معرفة. والكوفيون يجيزون مجيء التمييز معرفة. وقد خرجه بعضهم على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به، نحو قولهم : مررت برجل حسن وجهه، ومثله ما أنشد الكسائي رحمه اللّه تعالى :
أنع تها إني من نعاتها مدارة الأخفاف مجمراتها
غلب الدفار وعفريناتها كوم الذرى وادقة سراتها
وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين جائز، وعلى مذهب المبرد ممنوع، وعلى مذهب سيبويه جائز في الشعر لا في الكلام، ويجوز أن ينتصب على البدل من اسم إن بدل بعض من كل، ولا مبالاة بالفصل بين البدل والمبدل منه بالخبر، لأن ذلك جائز. وقد فصلوا