البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٧٤
قيل : لما أراهم الآيات وضع لهم ألوانا شتى من حب واحد آمنوا به واتبعوه. وقرأ الجمهور : الحواريون، بتشديد الياء. وقرأ إبراهيم النخعي، وأبو بكر الثقفي، بتخفيف الياء في جميع القرآن، والعرب تستثقل ضمة الياء المكسور ما قبلها في مثل : القاضيون، فتنقل الضمة إلى ما قبلها وتحذف الياء لالتقائها ساكنة مع الساكن بعدها، فكان القياس على هذا أن يقال : الحوارون، لكن أقرت الضمة ولم تنقل دلالة على أن التشديد مراد، إذ التشديد يحتمل الضمة كما ذهب إليه الأخفش في : يستهزئون، إذ أبدل الهمزة ياء، وحملت الضمة تذكرا لحال الهمزة المراد فيها.
نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ أي : أنصار دينه وشرعه. والداعي إليه.
آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ لما ذكروا أنهم أنصار اللّه ذكروا مستندا لإيمانهم، لأن انقياد الجوارح تابعة لانقياد القلب وتصديقه، والرسل تشهد يوم القيامة لقومهم، وعليهم. ودل ذلك على أن عيسى عليه السلام كان على دين الإسلام، برأه اللّه من سائر الأديان كما برأ إبراهيم بقوله : ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا «١» الآية، ويحتمل أن يكون : واشهد، خطابا للّه تعالى أي : واشهد يا ربنا، وفي هذا توبيخ لنصارى نجران، إذ حكى اللّه مقالة أسلافهم المؤمنين لعيسى، فليس كمقالهم فيه، ودعوى الإلهية له.
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ أي : من الآيات الدالة على صدق أنبيائك، أو : بما أنزلت من كلامك على الرسل أو بالإنجيل.
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ هو : عيسى على قول الجمهور.
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ هم : محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته، لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ، ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم يشهد لهم بالصدق. روى ذلك عكرمة عن ابن عباس، أو : من آمن قبلهم، رواه أبو صالح عن ابن عباس. أو : الأنبياء لأن كل نبي شاهد على أمّته. أو : الصادقون، قاله مقاتل. أو : الشاهدون للأنبياء بالتصديق، قاله الزجاج. أو : الشاهدون لنصرة رسلك، أو : الشاهدون بالحق عندك، رغبوا في أن يكونوا عنده في عداد الشاهدين بالحق من مؤمني الأمم، وعبروا عن فعل اللّه ذلك لهم بلفظ : فاكتبنا، إذ كانت الكتابة تقيد وتضبط ما يحتاج إلى تحقيقه وعلمه في ثاني حال.
(١) سورة آل عمران : ٣/ ٦٧.