البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٧٩
والآية تقتضي إعلام عيسى أن أهل الإيمان به كما يحب هم فوق الذين كفروا بالحجة والبرهان والعزة والمنعة والغلبة، ويظهر من عبارة ابن جريج أن المتبعين له هم في وقت استنصاره، وهم الحواريون، جعلهم اللّه فوق الكافرين لأنه شرفهم، وأبقى لهم في الصالحين ذكرا، فهم فوقهم بالحجة والبرهان، وما ظهر عليهم من رضوان اللّه.
وقيل : فوق الذين كفروا يوم القيامة في الجنة، إذ هم في الغرفات، والذين كفروا في أسفل سافلين في الدركات.
وتلخص من أقوال هؤلاء المفسرين أن متبعيه هم متبعوه في أصل الإسلام، فيكون عاما في المسلمين، وعاما في الكافرين، أو هم متبعوه في الانتماء إلى شريعته، وإن لم يتبعوها حقيقة، يكون الكافرون خاصا باليهود، أو متبعوه هم الحواريون، والكافرون : من كفر به. وأما الفوقية فإما حقيقة وذلك بالجنة والنار، وإما مجازا أي : بالحجة والبرهان، فيكون ذلك دينيا، و : إما بالعزة والغلبة فيكون ذلك دنيويا، وإما بهما.
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الظاهر أن : إلى، تتعلق بمحذوف، وهو العامل في : فوق، وهو المفعول الثاني : لجاعل، إذ معنى جاعل هنا مصيّر، فالمعنى كائنين فوقهم إلى يوم القيامة، وهذا على أن الفوقية مجاز، وأما إن كانت الفوقية حقيقة، وهي الفوقية بالجنة، فلا تتعلق : إلّا، بذلك المحذوف، بل بما تقدّم من : متوفيك، أو من : رافعك، أو من :
مظهرك، إذ يصح تعلقه بكل واحد منها، أما برافعك أو مطهرك، فظاهر. وأما بمتوفيك فعلى بعض الأقوال. وهذه الأخبار الأربعة ترتيبها في غاية الفصاحة، بدأ أولا : بإخباره تعالى لعيسى أنه متوفيه، فليس للماكرين به تسلط عليه ولا توصل إليه، ثم بشره ثانيا :
برفعه إلى سمائه وسكناه مع ملائكته وعبادته فيها، وطول عمره في عبادة ربه. ثم ثالثا :
برفعه إلى سمائه بتطهيره من الكفار، فعم بذلك جميع زمانه حين رفعه، وحين ينزله في آخر الدنيا فهي بشارة عظيمة له أنه مطهر من الكفار أولا وآخرا. ولما كان التوفي والرفع كل منهما خاص بزمان، بدىء بهما. ولما كان التطهير عاما يشمل سائر الأزمان أخر عنهما، ولما بشره بهذه البشائر الثلاث، وهي أوصاف له في نفسه، بشره برفعة أتباعه فوق كل كافر، لتقرّ بذلك عينه، ويسر قلبه.
ولما كان هذا الوصف من اعتلاء تابعيه على الكفار من أوصاف تابعيه، تأخر عن الأوصاف الثلاثة التي لنفسه، إذ البداءة بالأوصاف التي للنفس أهم، ثم أتبع بهذا الوصف


الصفحة التالية
Icon