البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٨٢
عبارة عن إرادة إيصال الخير له، فهو تعالى، وإن أراد كفر الكافر، لا يريد إيصال الثواب إليه.
ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ذلك : إشارة إلى ما تقدم من خبر عيسى وزكريا وغيرهما، و : نتلوه، نسرده ونذكره شيئا بعد شيء، وأضاف التلاوة إلى نفسه وإن كان الملك هو التالي تشريفا له، جعل تلاوة المأمور تلاوة الآمر، وفي : نتلوه، التفات، لأن قبله ضمير غائب في قوله : لا يحب، ونتلوه : معناه تلوناه، كقوله : وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ «١» ويجوز أن يراد به ظاهره من الحال، لأن قصة عيسى لم يفرغ منها، ويكون : ذلك، بمعنى : هذا.
والآيات هنا الظاهر أنه يراد بها آيات القرآن، ويحتمل أن يراد بها المعجزات والمستغربات، أي : نأتيهم بهذه الغيوب من قبلنا، وبسبب تلاوتنا، وأنت أمي لا تقرأ ولا تصحب أهل الكتاب، فهي آيات لنبوتك. قال ابن عباس، والجمهور : والذكر :
القرآن والحكيم أي : الحاكم، أتى بصيغة المبالغة فيه، ووصف بصفة من هو من سببه وهو اللّه تعالى، أو : كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه. قال الزجاج : لأنه ذو حكمة في تأليفه ونظمه، ويجوز أن يكون بمعنى المحكم، قاله الجمهور، أحكم عن طرق الخلل، ومنه قوله : أُحْكِمَتْ آياتُهُ «٢» ويكون : فعيل، بمعنى : مفعل، وهو قليل، ومنه : أعقدت العسل فهو معقد وعقيد، وأحبست فرسا في سبيل اللّه فهو محبس وحبيس.
وقيل : المراد بالذكر هنا اللوح المحفوظ الذي منه نقلت جميع كتب اللّه المنزلة على الأنبياء، أخبر أنه أنزل هذه القصص مما كتب هناك.
و : ذلك، مبتدأ، و : نتلوه، خبر و : من الآيات، متعلق بمحذوف لأنه في موضع الحال، أي : كائنا من الآيات. و : من، للتبعيض لأن هذا المتلو بعض الآيات والذكر، وجوّزوا أن يكون : من الآيات، خبرا بعد خبر، وذلك على رأي من يجيز تعداد الأخبار بغير حرف عطف، إذا كان لمبتدأ واحد، ولم يكن في معنى خبر واحد، وجوّزوا أن يكون :
من، لبيان الجنس، وذلك على رأي من يجيز أن تكون : من، لبيان الجنس. ولا يتأتى ذلك هنا من جهة المعنى إلّا بمجاز، لأن تقدير : من، البيانية بالموصول. ولو قلت : ذلك نتلوه

_
(١ - ٢) سورة البقرة : ٢/ ١٠٢.


الصفحة التالية
Icon