البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٩٤
وعبر بالكلمة عن الكلمات، لأن الكلمة قد تطلقها العرب على الكلام، وإلى هذا ذهب الزجاج، إما لوضع المفرد موضع الجمع، كما قال :
بها جيف الحسرى، فأما عظامها فبيض، وأما جلدها فصليب
وإما لكون الكلمات مرتبطة بعضها ببعض، فصارت في قوة الكلمة الواحدة إذا اختلّ جزء منها اختلت الكلمة، لأن كلمة التوحيد : لا إله إلا اللّه، هي كلمات لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في اللّه إلا بمجموعها.
وقرأ الجمهور : سواء، بالجر على الصفة. وقرأ الحسن : سواء، بالنصب، وخرجه الحوفي والزمخشري على أنه مصدر. قال الزمخشري : بمعنى استوت استواء، فيكون :
سواء، بمعنى استواء، ويجوز أن ينتصب على الحال من : كلمة، وإن كان نكرة ذو الحال، وقد أجاز ذلك سيبويه وقاسه، والحال والصفة متلاقيان من حيث المعنى، والمصدر يحتاج إلى إضمار عامل، وإلى تأويل : سواء، بمعنى : استواء، والأشهر استعمال : سواء، بمعنى اسم الفاعل، أي : مستو، وقد تقدّم الكلام على سواء في أول سورة البقرة، وقال قتادة، والربيع، والزجاج : هنا يعني بالسواء العدل، وهو من : استوى الشيء، وقال زهير :
أروني خطة لا ضيم فيها يسوي بيننا فيها السواء
والمعنى : إلى كلمة عادلة بيننا وبينكم. وقال أبو عبيدة : تقول العرب : قد دعاك فلان إلى سواء فاقبل منه. وفي مصحف عبد اللّه : إلى كلمة عدل بيننا وبينكم. وقال ابن عباس : أي كلمة مستوية، أي مستقيمة. وقيل : إلى كلمة قصد. قال ابن عطية : والذي أقوله في لفظة :
سواء، أنها ينبغي أن تفسر بتفسير خاص بها في هذا الموضع، وهو أنه دعاهم إلى معان جميع الناس فيها مستوون، صغيرهم وكبيرهم، وقد كانت سيرة المدعوين أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا، فلم يكونوا على استواء حال، فدعاهم بهذه الآية إلى ما يألف النفوس من حق لا يتفاضل الناس فيه، فسواء على هذا التأويل بمنزلة قولك لآخر : هذا شريكي في مال سواء بيني وبينه، والفرق بين هذا التفسير وبين تفسير لفظة : العدل، أنك لو دعوت أسيرا عندك إلى أن يسلم أو تضرب عنقه، لكنت قد دعوته إلى السواء الذي هو العدل، على هذا الحد جاءت لفظة : سواء، في قوله تعالى فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ «١» على بعض

_
(١) سورة الأنفال : ٨/ ٥٨.


الصفحة التالية
Icon