البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٠١
يريد : يا هذا اعتصم، و : يا أولاء.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي : يعلم دين إبراهيم الذي حاججتم فيه، وكيف حال الشرائع في الموافقة. والمخالفة، وأنتم لا تعلمون ذلك، وهو تأكيد لما قبله من نفي العلم عنهم في شأن إبراهيم، وفي قوله : واللّه يعلم، استدعاء لهم أن يسمعوا، كما تقول لمن تخبره بشيء لا يعلمه : اسمع فإني أعلم ما لا تعلم.
ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أعلم تعالى براءة إبراهيم من هذه الأديان، وبدأ بانتفاء اليهودية، لأن شريعة اليهود أقدم من شريعة النصارى، وكرر، لا، لتأكيد النفي عن كل واحد من الدينين، ثم استدرك ما كان عليه بقوله وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً ووقعت لكن هنا أحسن موقعها، إذ هي واقعة بين النقيضين بالنسبة إلى اعتقاد الحق والباطل.
ولما كان الكلام مع اليهود والنصارى، كان الاستدارك بعد ذكر الانتفاء عن شريعتهما، ثم نفى على سبيل التكميل للتبري من سائر الأديان كونه من المشركين، وهم :
عبدة الأصنام، كالعرب الذين كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم، وكالمجوس عبدة النار، وكالصابئة عبدة الكواكب، ولم ينص على تفصيلهم، لأن الإشراك يجمعهم.
وقيل : أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيرا والمسيح، فتكون هذه الجملة توكيدا لما قبلها من قوله ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وجاء : من المشركين، ولم يجىء : وما كان مشركا، فيناسب النفي قبله، لأنها رأس آية.
وقال ابن عطية : نفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك الذي هو عبادة الأوثان ودخل في ذلك الإشراك الذي تتضمنه اليهودية والنصرانية. وجاء ترتيب النفي على غاية الفصاحة، نفي نفس الملل، وقرر الحال الحسنة، ثم نفى نفيا بين به أن تلك الملل فيها هذا الفساد الذي هو الشرك، وهذا كما تقول : ما أخذت لك مالا، بل حفظته. وما كنت سارقا، فنفيت أقبح ما يكون في الأخذ. انتهى كلامه.
وتلخص بما تقدم أن قوله. وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثلاثة أقوال : أحدها : أن المشركين عبدة الأصنام والنار والكواكب. والثاني : أنهم اليهود والنصارى. والثالث : عبدة الأوثان واليهود والنصارى.


الصفحة التالية
Icon