البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٠٩
منا، وما ردّ به أبو عليّ على أبي إسحاق ليس بمتجه. لأن قوله : لِمَ تَلْبِسُونَ ليس نصا على أن المضارع أريد به الماضي حقيقة، إذ قد ينكر المستقبل لتحقق صدوره، لا سيما على الشخص الذي تقدم منه وجود أمثاله. ولو فرضنا أنه ماض حقيقة، فلا ردّ فيه على أبي إسحاق، لأنه كما قررنا قبل : إذا لم يمكن سبك مصدر مستقبل من الجملة، سبكناه من لازم الجملة.
وقد حكى أبو الحسن بن كيسان نصب الفعل المستفهم عنه محقق الوقوع، نحو :
أين ذهب زيد فنتبعه؟ وكذلك في : كم مالك فنعرفه؟ و : من أبوك فنكرمه؟ لكنه يتخرج على ما سبق ذكره من أن التقدير : ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا. و : ليكن منك إعلام بقدر مالك فمعرفة منا. و : ليكن منك إعلام بأبيك فاكرام منا له.
وقرأ عبيد بن عمير : لم تلبسوا، وتكتموا، بحذف النون فيهما، قالوا : وذلك جزم، قالوا : ولا وجه له سوى ما ذهب إليه شذوذ من النحاة في إلحاق : لم بلم في عمل الجزم.
وقال السجاوندي : ولا وجه له إلّا أن : لم، تجزم الفعل عند قوم كلم. انتهى. والثابت في لسان العرب أن : لم، لا ينجزم ما بعدها، ولم أر أحدا من النحويين ذكر أن لم تجري مجرى : لم في الجزم إلا ما ذكره أهل التفسير هنا، وإنما هذا عندي من باب حذف النون حالة الرفع، وقد جاء ذلك في النثر قليلا جدا، وذلك في قراءة أبي عمرو، ومن بعض طرقه قالوا : ساحران تظاهرا، بتشديد الظاء، أي أنتما ساحران تتظاهران فأدغم التاء في الظاء وحذف النون، وأما في النظم، فنحو : قول الراجز :
أبيت أسرى وتبيتي تدلكي يريد : وتبيتين تدلكين. وقال :
فإن يك قوم سرهم ما صنعتمو ستحتلبوها لاقحا غير باهل
والظاهر أنه أنكر عليهم لبس الحق بالباطل، وكتم الحق، وكأن الحق منقسم إلى قسمين :
قسم خلطوا فيه الباطل حتى لا يتميز، وقسم كتموه بالكلية حتى لا يظهر.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جملة حالية تنعي عليهم ما التبسوا به من لبس الحق بالباطل وكتمانه، أي : لا يناسب من علم الحق أن يكتمه، ولا أن يخلطه بالباطل، والسؤال عن السبب سؤال عن المسبب، فإذا أنكر السبب فبالأولى أن ينكر المسبب، وختمت الآية قبل