البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢١٤
وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون قوله : أن يؤتى، بدلا من قوله : هدى اللّه، ويكون المعنى : قل إن الهدى هدى اللّه وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن. ويكون قوله : أو يحاجوكم، بمعنى، أو فليحاجوكم، فإنهم يغلبونكم. انتهى هذا القول. وفيه الجزم بلام الأمر وهي محذوفة ولا يجوز ذلك على مذهب البصريين إلّا في الضرورة.
وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب : أن يؤتى، بفعل مضمر يدل عليه قوله وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ كأنه قيل : قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا. انتهى كلامه. وهو بعيد، لأن فيه حذف حرف النهي ومعموله، ولم يحفظ ذلك من لسانهم. وأجازوا أن يكون قوله أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ ليس داخلا تحت قوله : قل، بل هو من تمام قول الطائفة، متصل بقوله :
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ويكون قوله : قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ جملة اعتراضية بين ما قبلها وما بعدها.
ويحتمل هذا القول وجوها :
أحدها : أن يكون المعنى : ولا تصدّقوا تصديقا صحيحا وتؤمنوا إلّا لمن جاء بمثل دينكم، مخافة أن يؤتى أحد من النبوّة والكرامة مثل ما أوتيتم، ومخافة أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم يستمروا عليه، وهذا القول، على هذا المعنى، ثمرة الحسد والكفر مع المعرفة بصحة نبوّة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
الثاني : أن يكون التقدير : أن لا يؤتى، فحذفت : لا، لدلالة الكلام، ويكون ذلك منتفيا داخلا في حيز : إلّا، لا مقدرا دخوله قبلها، والمعنى : ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلّا لمن تبع دينكم، بانتفاء أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وانتفاء أن يحاجوكم عند ربكم أي : إلّا بانتفاء كذا.
الثالث : أن يكون التقدير : بأن يؤتى، ويكون متعلقا بتؤمنوا، ولا يكون داخلا في حيز إلّا، والمعنى : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم، وجاء بمثله، وعاضدا له، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم. ويكون معنى : أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ بمعنى :
إلّا أن يحاجوكم، كما تقول : أنا لا أتركك أو تقضيني حقي، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة التكذيب لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، على اعتقاد أن النبوّة لا تكون إلّا في بني إسرائيل.


الصفحة التالية
Icon