البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢١٦
كلا الوجهين معنى الآية توبيخ من الأحبار للاتباع على تصديقهم بأن محمدا نبي مبعوث، ويكون : أو يحاجوكم، في تأويل نصب أن بمعنى : أو تريدون أن يحاجوكم؟.
قال أبو عليّ : وأحد، على قراءة ابن كثير هو الذي لا يدل على الكثرة، وقد منع الاستفهام القاطع من أن يشيع لامتناع دخوله في النفي الذي في أول الكلام، فلم يبق إلّا أنه : أحد، الذي في قولك : أحد وعشرون، وهو يقع في الإيجاب، لأنه في معنى : واحد، وجمع ضميره في قوله : أو يحاجوكم، حملا على المعنى، إذ : لأحد، المراد بمثل النبوّة أتباع فهو في المعنى للكثرة. قال أبو عليّ : وهذا موضع ينبغى أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير، لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر أن يدل على الكثرة. انتهى تخريج أبي علي لقراءة ابن كثير، وقد تقدم تخريج قراءته على أن يكون قوله : أن يؤتى، مفعولا من أجله، على أن يكون داخلا تحت القول من قول الطائفة، وهو أظهر من جعله من قول الطائفة.
وقد اختلف السلف في هذه الآية، فذهب السدّي وغيره إلى أن الكلام كله من قوله :
قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ إلى آخر الآية مما أمر اللّه به محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقوله لأمّته.
وذهب قتادة، والربيع : إلى أن هذا كله من قول اللّه، أمره أن يقوله للطائفة التي قالت : وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وذهب مجاهد وغيره إلى أن قوله أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ كله من قول الطائفة لأتباعهم، وقوله قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ اعتراض بين ما قبله وما بعده من قول الطائفة لأتباعهم. وذهب ابن جريج إلى أن قوله : أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ داخل تحت الأمر الذي هو : قل، يقوله الرسول لليهود، وتم مقوله في قوله : أوتيتم. وأما قوله : أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ فهو متصل بقول الطائفة وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وعلى هذه الانحاء ترتيب الأوجه السابقة.
وقرأ الأعمش وشعيب بن أبي حمزة : إن يؤتى، بكسر الهمزة بمعنى : لم يعط أحد مثل ما أعطيتم من الكرامة، وهذه القراءة يحتمل أن يكون الكلام خطابا من الطائفة القائلة؟
ويكون قولها : أو يحاجوكم، بمعنى : أو، فليحاجوكم، وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتي، أو يكون بمعنى : إلّا أن يحاجوكم، وهذا على تجويز : أن


الصفحة التالية
Icon