البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٣٢
وقرأ الجمهور : ثم يقول، بالنصب عطفا على : أن يؤتيه، وقرأ شبل عن ابن كثير، ومحبوب عن أبي عمرو : بالرفع على القطع أي : ثم هو يقول. وقرأ الجمهور : عبادا لي، بتسكين ياء الإضافة. وقرأ عيسى بن عمر : بفتحها.
وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ هذا على إضمار القول تقديره : ولكن يقول كونوا ربانيين، والرباني الحكيم العالم، قاله قتادة، وأبو رزين. أو : الفقيه، قاله علي، وابن عباس، والحسن، ومجاهد. أو : العالم الحليم، قاله قتادة وغيره. أو : الحكيم الفقيه، قاله ابن عباس. أو : الفقيه العلم، قاله الحسن، والضحاك. أو : والي الأمر يربيهم ويصلحهم، قاله ابن زيد. أو : الحكيم التقي، قاله ابن جبير. أو : المعلم، قاله الزجاج. أو : العالم، قاله المبرد. أو : التائب لربه، قاله المؤرج. أو : الشديد التمسك بدين اللّه وطاعته، قاله الزمخشري. أو : العالم الحكيم الناصح للّه في خلقه، قاله عطاء. أو : العالم العامل بعلمه، قاله ابن جبير. أو : العالم المعلم، قاله بعضهم. وهذه أقوال متقاربة.
وللصوفية في تفسيره أقوال كثيرة غير هذه، وقال مجاهد : الرباني فوق الحبر، لأن الحبر هو العالم، والرباني الذي جمع إلى العلم والفقه النظر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دينهم ودنياهم. وفي البخاري : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
قال ابن عطية : فجملة ما يقال في الرباني : إنه العالم المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس انتهى. ولما مات ابن عباس قال محمد بن الحنفية : اليوم مات رباني هذه الآمة.
بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ الباء للسبب، و : ما، الظاهر أنها مصدرية، و : تعلمون، متعد لواحد على قراءة الحرميين وأبي عمرو إذ قرأوا بالتخفيف مضارع علم، فأما قراءة باقي السبعة بضم التاء وفتح العين وتشديد اللام المكسورة، فيتعدّى إلى اثنين، إذ هي منقولة بالتضعيف من المتعدية إلى واحد، وأول المفعولين محذوف تقديره : تعلمون الناس الكتاب. وتكلموا في ترجيح أحد القراءتين على الأخرى، وقد تقدّم أني لا أرى شيئا من هذه التراجيح، لأنها كلها منقولة متواترة قرآنا، فلا ترجيح في إحدى القراءتين على الأخرى.