البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٤٩
وأما تعدية أنزل، هنا : بعلى، وفي البقرة بإلى. فقال ابن عطية : الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها.
وقال الزمخشري : فإن قلت لم عدّى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء، وفيما تقدّم من مثلها بحرف الانتهاء؟.
قلت لوجود المعنيين جميعا، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهى إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر.
وقال الراغب : إنما قال هنا : على، لأن ذلك لما كان خطابا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان واصلا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشر كان لفظ على المختص بالعلوّ أولى به، وهناك، لما كان خطابا للأمة، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، كان لفظ : إلى، المختص بالإيصال أولى، ويجوز أن يقال : أنزل عليه إنما على ما أمر المنزل عليه أن يبلغ غيره، وأنزل إليه على ما خص به في نفسه. وإليه نهاية الإنزال، وعلى ذلك قال : أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ «١» وقال : وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «٢» خص هنا : بإلى، لما كان مخصوصا بالذكر الذي هو بيان المنزل، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب. انتهى كلامه.
وذكر الزمخشري أن : من قال هذا الفرق فقد تعسف، قال : ألا ترى إلى قوله : بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ «٣» وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ «٤» وإلى قوله : آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا «٥»؟ انتهى.
وأما إعادة لفظ : وما أوتي، فلأنه لما كان لفظ الخطاب عاما، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز، ولما كان الخطاب هنا خاصا اكتفى فيه بالإيجاز.
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ الإسلام هنا قيل هو الاستسلام إلى اللّه
(١) سورة العنكبوت : ٢٩/ ٥١.
(٢) سورة النحل : ١٦/ ٤٤.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٤. والنساء : ٤/ ٦٠ و١٦٢ والرعد : ١٣/ ٣٦.
(٤) سورة النساء : ٤/ ١٠٥. والمائدة : ٥/ ٤٨، والعنكبوت : ٢٩/ ٤٧ والزمر : ٣٩/ ٢.
(٥) سورة آل عمران : ٣/ ٧٢.