البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٥١
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل وفيهما ذكر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فغيروه وكفروا بعد إيمانهم بنبوّته، قاله الحسن. وروى عطية قريبا منه عن ابن عباس. وقال مقاتل : في عشرة رهط ارتدوا فيهم الحارث بن سويد الأنصاري، فندم ورجع، ورواه أبو صالح عن ابن عباس، وذكر مجاهد، والسدّي : أن الحارث كان يظهر الإسلام، فلما كان يوم أحد قتل المجدر بن زياد بدم كان له عليه، وقتل زيد بن قيس، وارتد ولحق بالمشركين، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمر أن يقتله إن ظفر به، ففاته، ثم بعث إلى أخيه من مكة يطلب التوبة، فنزلت إلى قوله : إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فكتب بها قومه إليه، فرجع تائبا.
ورواه عكرمة عن ابن عباس، ولم يسمه، ولم يذكر سوى أنه رجل من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين، وخرجه النسائي عن ابن عباس مطولا. وقيل : لحق بالروم. وقيل : ارتد الحارث في أحد عشر رجلا، وسمى منهم الزمخشري : طعمة بن أبيرق، والحارث بن سويد بن الصامت، ووحوح بن الأسلت، وذكر عكرمة أنهم كانوا اثني عشر، وسمى منهم :
أبا عامر الراهب، والحارث ووجوها.
وقال النقاش : نزلت في طعمة بن أبيرق. ألفاظ الآية تعم كل من ذكر وغيرهم.
وقيل : هي في عامة المشركين. وقال مجاهد : حمل الآيات إلى الحارث رجل من قومه فقرأها عليه فقال له الحارث : إنك واللّه ما علمت لصدوق، وإن رسول اللّه لأصدق منك، وإن اللّه تعالى لأصدق الثلاثة. قال فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه.
كيف : سؤال عن الأحوال، وهي هنا للتعجيب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان، أي :
كيف يستحق الهداية من أتى بما ينافيها بعد التباسه بها ووضوحها؟ فاستبعد حصولها لهم مع شدّة الجرائم، كما
قال صلّى اللّه عليه وسلّم :«كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها»؟.
وقال الزمخشري : كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم اللّه من تصميمهم على كفرهم؟ انتهى. وهذه نزعة اعتزالية، إذ ليس المعنى عنده : إن اللّه يخلق الهداية فيهم كما لا يخلق الضلال فيهم، بل هما مخلوقان للعبد.
وقيل : الاستفهام هنا يراد به الجحد، والمعنى : ليس يهدي، ونظيره قول الشاعر :
فهذي سيوف، يا صديّ بن مالك كثير، ولكن : أين بالسيف ضارب؟