البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٥٤
بعد إيمان وازداد كفرا، أم كان كافرا أول مرة. فاحتيج في ذلك إلى تخصيص، فقال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والسدي : نفي توبتهم مختص بالحشرجة والغرغرة والمعاينة.
قال النحاس : وهذا قول حسن، كقوله : وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ «١» الآية.
وقال أبو العالية : لن تقبل توبتهم من الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال ابن عباس : لن تقبل توبتهم لأنها توبة غير خالصة، إذ هم مرتدون، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم وفي ضمائرهم الكفر. وقال مجاهد : لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر. وقيل : لن تقبل توبتهم التي تابوها قبل أن كفروا، لأن الكفر قد أحبطها. وقيل : لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفر إلى كفر، وإنما تقبل إذا تابوا إلى الإسلام. وفاصل هذا التخصيص أنه تخصيص بالزمان، أو بوصف في التوبة.
والوجه الثاني : أن يكون المعنى : لا توبة لهم فتقبل، فنفى القبول، والمراد نفي التوبة فيكون من باب قوله.
على لا حب لا يهتدى لمناره أي : لا منار له فيهتدى به، ويكون ذلك في قوم بأعيانهم، حتم اللّه عليهم بالكفر أي : ليست لهم توبة فهم لا محالة يموتون على الكفر. وقد أشار إلى هذا المعنى الزمخشري، وابن عطية.
ولم تدخل : الفاء، في : لن تقبل، هنا، ودخلت في : فلن تقبل، لأن الفاء مؤذنة بالاستحقاق بالوصف السابق، وهناك قال : وماتوا وهم كفار وهنا لم يصرح بهذا القيد.
وقال الزمخشري : فإن قلت فحين كان معنى : لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ بمعنى الموت على الكفر فهلا جعل الموت على الكفر مسببا عن ارتدادهم وازديادهم الكفر لما في ذلك من قساوة القلوب، وركوب الرين، وجره إلى الموت على الكفر؟.
قلت : لأنه : كم من مرتد ازداد الكفر يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر؟.
فإن قلت : فأي فائدة في هذه الكناية : أعني : إن كنى عن الموت على الكفر بامتناع قبول التوبة؟.

_
(١) سورة النساء : ٤/ ١٨.


الصفحة التالية
Icon