البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٥٧
لا يثيبهم على أعمالهم من الخير، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب. قال ابن عطية :
وهذا قول حسن. انتهى.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا كان قد تصدّق به، ولو افتدى به أيضا لم يقبل منه. انتهى. وهذا معنى قول الزجاج، إلّا أنه لم يقيد الافتداء بالآخرة.
وحكى صاحب (ري الظمآن) وغيره عن الزجاج أنه قال : معنى الآية : لو افتدى به في الدنيا مع إقامته على الكفر لن يقبل منه، والذي يظهر أن انتفاء القبول، ولو على سبيل الفدية، إنما يكون ذلك في الآخرة. وبينه ما ثبت
في (صحيح) البخاري من حديث أنس : أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«يحاسب الكافر يوم القيامة، فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول : نعم، فيقال له : قد كنت سئلت أيسر من ذلك».
وهذا الحديث يبين أن قوله : فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ هو على سبيل الفرض والتقدير أي : لو أن الكافر قدر على أعز الأشياء، ثم قدر على بذله، لعجز أن يتوسل بذلك إلى تخليص نفسه من عذاب اللّه. والمعنى : أنهم آيسون من تخليص أنفسهم من العذاب. فهو نظير وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «١» ونظير يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي «٢» الآيتين، وعلى هذا يبعد ما قاله الزجاج من أن يكون المعنى : أنهم لو أنفقوا في الدنيا ملء الأرض ذهبا لم يقبل ذلك، لأن الطاعة مع الكفر لا تكون مقبولة.
وافتدى : افتعل من الفدية. قيل : وهو بمعنى فعل، كشوى واشتوى، ومفعوله محذوف، ويحتاج في تعدية افتدى إلى سماع من العرب، والضمير في : به، عائد على :
ملء الأرض، وهو : مقدار ما يملؤها، ويوجد في بعض التفاسير أنه عائد على : الملء، أو :
على الذهب. فقيل : على الذهب غلط.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد : ولو افتدى بمثله، لقوله : وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ «٣» والمثل يحذف كثيرا في كلامهم، كقولك : ضربت ضرب زيد، تريد : مثل ضربه وأبو يوسف أبو حنيفة، تريد : مثله.
ولا هيثم الليلة للمطي

_
(٣ - ١) سورة الزمر : ٣٩/ ٤٧.
(٢) سورة المعارج : ٧٠/ ١١.


الصفحة التالية
Icon