البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٧٠
عليه، والحجر الأسود وهو : من حجارة الكعبة، وهو يمين اللّه في الأرض يشهد لمن مسه.
والحطيم، وزمزم، وأمن الخائف وهيبته وتعظيمه في قلوب الناس، وأمر الفيل، ورمى طير اللّه عنه بحجارة السجيل، وكف الجبابرة عنه على وجه الدهر، وإذعان نفوس العرب لتوقير هذه البقعة دون ناه ولا زاجر، وجباية الأرزاق إليه، وهو «بواد غير ذي زرع» «١» وحمايته من السيول. ودلالة عموم المطر إياه من جميع جوانبه على خصب آفاق الأرض، فإن كان المطر من جانب أخصب الأفق الذي يليه. وذكر مكي وغيره : أنّ من آياته كون الطير لا يعلوم عليه. قال ابن عطية : وهذا ضعيف، والطير يعاين بعلوه، وقد علته العقاب التي أخذت الحية المشرفة على جداره، وتلك كانت من آياته انتهى. وأي عبد علا عليه عتق.
وتعجيل العقوبة لمن عتا فيه، وإجابة دعاء من دعا تحت الميزاب، ومضاعفة أجر المصلي، وغير ذلك من الآيات. وقوله : فيه آيات بينات، الضمير في فيه عائد على البيت، فينبغي أن لا يذكر من الآيات إلا ما كان في البيت. لكنهم توسعوا في الظرفية، إذ لا يمكن حملها على الحقيقة لأنه كان يلزم أن الآيات تكون داخل الجدران. ووجه التوسع أنّ البيت وضع بحرمه وجميع فضائله، فهي فيه على سبيل المجاز. ولذلك عدّ المفسرون آيات في الحرم وأشياء مما التزمت في شريعتنا من : تحريم قطع شجره، ومنع الاصطياد فيه. والذي تعرضت له الآية هو مقام إبراهيم، لأنه آية باقية على مر الأعصار. وذلك أنّه لمّا قام إبراهيم على حجر المقام وقت رفعه القواعد من البيت طال له البناء، فكلما علا الجدار ارتفع الحجر به في الهواء، فما زال يبني وهو قائم عليه وإسماعيل يناوله الحجارة والطين حتى كمل الجدار. ثم أراد اللّه إبقاء ذلك آية للعالمين ليّن الحجر فغرقت فيه قدما إبراهيم كأنها في طين، فذلك الأثر باق إلى اليوم. وقد نقلت كافة العرب ذلك في الجاهلية على مرور الاعصار. وقال في ذلك أبو طالب :
وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل
فما حفظ أن أحدا من الناس نازع في هذا القول. وقيل : سبب أثر قدميه في هذا الحجر أنه وافى مكة زائرا من الشام فقالت له زوجة إسماعيل : انزل. حتى اغسل رأسك، فأبى أن ينزل، فجاءت بهذا الحجر من جهة شقه الأيمن، فوضع قدمه عليه حتى غسلت
(١) سورة إبراهيم : ١٤/ ٣٧.