البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٩٤
فأمّا القتال لا قتال لديكم ولكنّ سيرا في عرض المواكب
يريد فلا قتال، وقال الشيخ كمال الدين عبد الواحد بن عبد اللّه بن خلف الأنصاري في كتابه الموسوم بنهاية التأميل في أسرار التنزيل : قد اعترض على النحاة في قولهم : لما حذف. يقال : حذفت الفاء بقوله تعالى : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ «١» تقديره فيقال لهم : أفلم تكن آياتي تتلى عليكم، فحذف فيقال، ولم تحذف الفاء. فلما بطل هذا تعين أن يكون الجواب : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، فوقع ذلك جوابا له. ولقوله : أكفرتم، ومن نظم العرب : إذا ذكروا حرفا يقتضي جوابا له أن يكتفوا عن جوابه حتى يذكروا حرفا آخر يقتضي جوابا ثم يجعلون لهما جوابا واحدا، كما في قوله تعالى : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «٢» فقوله : فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون جواب للشرطين، وليس أفلم جواب جواب أمّا، بل الفاء عاطفة على مقدّر والتقدير : أأهملتكم، فلم أتل عليكم آياتي. انتهى ما نقل عن هذا الرجل وهو كلام أديب لا كلام نحوي. أمّا قوله : قد اعترض على النحاة فيكفي في بطلان هذا الاعتراض أنه اعتراض على جميع النحاة، لأنه ما من نحوي إلا خرّج الآية على إضمار فيقال لهم : أكفرتم، وقالوا : هذا هو فحوى الخطاب، وهو أن يكون في الكلام شيء مقدّر لا يستغني المعنى عنه، فالقول بخلافه مخالف للإجماع، فلا التفات إليه. وأمّا ما اعترض به من قوله : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي «٣» وأنهم قدروه فيقال لهم :
أفلم تكن آياتي، فحذف فيقال : ولم تحذف الفاء، فدل على بطلان هذا التقدير فليس بصحيح، بل هذه الفاء التي بعد الهمزة في أفلم ليست فاء، فيقال التي هي جواب أمّا حتى يقال حذف، فيقال : وبقيت الفاء، بل الفاء التي هي جواب أمّا، ويقال بعدها محذوف.
وفاء أفلم تحتمل وجهين، أحدهما أن تكون زائدة. وقد أنشد النحويون على زيادة الفاء قول الشاعر :
يموت أناس أو يشيب فتاهم ويحدث ناس والصغير فيكبر
يريد : يكبر وقول الآخر :
لما اتقى بيد عظيم جرمها فتركت ضاحي جلدها يتذبذب
(١) سورة الجاثية : ٤٥/ ٣١.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٣٨.
(٣) سورة الحديد : ٥٧/ ٢٩.