البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣١٤
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً تقدم تفسير هذه الجملة في أوائل هذه السورة.
وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ تقدم تفسير نظير هذه الجملة في أوائل البقرة، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة. وأنه لما ذكر شيئا من أحوال المؤمنين ذكر شيئا من أحوال الكافرين ليتضح الفرق بين القبيلين.
َلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ
لمّا ذكر تعالى أنّ ما فعله المؤمنون من الخير فإنهم لا يحرمون ثوابه، بل يجنون في الآخرة ثمرة ما غرسوه في الدنيا، أخذ في بيان نفقة الكافرين، فضرب لها مثلا اقتضى بطلانها وذهابها مجانا بغير عوض. قال مجاهد : نزلت في نفقات الكفار وصدقاتهم. وقال مقاتل : في نفقات سفلة اليهود على علمائهم. وقيل : في نفقة المشركين يوم بدر. وقيل : في نفقة المنافقين إذا خرجوا مع المسلمين لحرب المشركين. قال الزمخشري : شبّه ما كانوا ينفقونه من أموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه اللّه بالزرع الذي حسّه البرد فصار حطاما. وقيل : هو ما يتقربون به إلى اللّه مع كفرهم. وقيل : ما أنفقوا في. عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأنهم لم يبلغوا بإنفاقه ما أنفقوه لأجله انتهى.
وقال ابن عطية : معناه المثال القائم في النفس من إنفاقهم الذي يعدونه قربة وحسبة وتحنثا، ومن حبطه يوم القيامة وكونه هباء منثورا، وذهابه كالمثال القائم في النفس. من زرع قوم نبت واخضرّ وقوي الأمل فيه فهبت عليه ريح صرّ محرق فأهلكته انتهى. والظاهر أن ما في قوله : مثل ما ينفقون موصولة، والعائد محذوف، أي ينفقونه. والظاهر تشبيه ما ينفقونه بالريح، والمعنى : تشبيهه بالحرث. فقيل : هو من التشبيه المركب لم يقابل فيه الإفراد بالإفراد، وقد مر نظيره في قوله تعالى : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً «١» ولذلك قال ثعلب : بدأ بالريح، والمعنى على الحرث، وهو اختيار الزمخشري. وقيل : وقع التشبيه بين شيئين وشيئين، وذكر أحد المشبهين وترك ذكر الآخر، ثم ذكر أحد الشيئين المشبه بهما وليس الذي يوازن المذكور الأول وترك ذكر الآخر، ودل المذكوران على المتروكين. وهذا اختيار ابن عطية. قال : وهذه غاية البلاغة والإعجاز، ومثل ذلك قوله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٧.


الصفحة التالية
Icon