البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٢٣
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً قال ابن عباس : وإن تصبروا على أذاهم، وتتقوا اللّه، ولا تقنطوا، ولا تسأموا أذاهم وإن تكرر. وقال مقاتل : وإن تصبروا على أمر اللّه، وتتقوا مباطنتهم. وقال ابن عباس أيضا : وإن تصبروا على الإيمان وتتقوا الشرك.
وقيل : وإن تصبروا على الطاعة وتتقوا المعاصي. وقيل : وإن تصبروا على حربهم. والذي يظهر أنه لم يذكر هنا متعلق الصبر، ولا متعلق التقوى. لكنّ الصبر هو حبس النفس على المكروه، والتقوى اتخاذ الوقاية من عذاب اللّه. فيحسن أن يقدّر المحذوف من جنس ما دل عليه لفظ الصبر ولفظ التقوى. وفي هذا تبشير للمؤمنين، وتثبيت لنفوسهم، وإرشاد إلى الاستعانة على كيد العدو بالصبر والتقوى.
وقرأ الجمهور : إن تمسسكم بالتاء. وقرأ السلمي بالياء معجمة من أسفل، لأن تأنيث الحسنة مجازى. وقرأ الحرميان وأبو عمرو وحمزة في رواية عنه : لا يضركم من ضار يضير.
ويقال : ضار يضور، وكلاهما بمعنى ضرّ. وقرأ الكوفيون وابن عامر : لا يضرّكم بضم الضاد والراء المشدّدة، من ضرّ يضرّ. واختلف، أحركة الراء إعراب فهو مرفوع؟ أم حركة اتباع لضمة الضاد وهو مجزوم كقولك : مدّ؟ ونسب هذا إلى سيبويه، فخرج الإعراب على التقديم. والتقدير : لا يضركم أن تصبروا، ونسب هذا القول إلى سيبويه. وخرج أيضا على أنّ لا بمعنى ليس، مع إضمار الفاء. والتقدير : فليس يضركم، وقاله : الفراء والكسائي.
وقرأ عاصم فيما روى أبو زيد عن المفضل عنه : بضم الضاد، وفتح الراء المشددة. وهي أحسن من قراءة ضم الراء نحو لم يرد زيد، والفتح هو الكثير المستعمل. وقرأ الضحاك :
بضم الضاد، وكسر الراء المشدّدة على أصل التقاء الساكنين. وقال ابن عطية : فأما الكسر فلا أعرفه قراءة، وعبارة الزجاج في ذلك متجوز فيها، إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة انتهى. وهي قراءة كما ذكرنا عن الضحاك. وقرأ أبيّ : لا يضرركم بفك الإدغام وهي لغة أهل الحجاز، وعليها في الآية إن يمسسكم. ولغة سائر العرب الإدغام في هذا كله.
إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ من قرأ بالياء فهو وعيد، والمعنى : محيط جزاؤه. وعبر بالإحاطة عن الاطلاع التام والقدرة والسلطان. ومن قرأ بالتاء وهو : الحسن بن أبي الحسن فعلى الالتفات للكفار، أو على إضمار قل : لهم يا محمد. أو على أنه خطاب للمؤمنين تضمن توعدهم في اتخاذ بطانة من الكفار.
قالوا : وتضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة. منها : الوصل والقطع في لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ والتكرار : في أصحاب النار هم. والعدول عن اسم