البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٣١
والنصر ببدر هو المشهور الذي قتل فيه صناديد قريش، وعلى يوم بدر انبنى الإسلام. وكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان لثمانية عشر شهرا من الهجرة.
فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أمر بالتقوى مطلقا. وقيل : في الثبات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وترجيه الشكر إمّا على الإنعام السابق بالنصر يوم بدر، أو على الإنعام المرجو أن يقع. فكأنه قيل : لعلكم ينعم عليكم نعمة أخرى فتشكرونها. وضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له.
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى ظاهر هذه الآية اتصالها بما قبلها، وأنّها من قصة بدر، وهو قول الجمهور، فيكون إذ معمولا لنصركم. وقيل : هذا من تمام قصة أحد، فيكون قوله : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ «١» معترضا بين الكلامين لما فيه من التحريض على التوكل والثبات للقتال. وحجة هذا القول أن يوم بدر كان المدد فيه من الملائكة بألف، وهنا بثلاثة آلاف وخمسة آلاف.
والكفار يوم بدر كانوا ألفا، والمسلمون على الثلث. فكان عدد الكفار ثلاثة آلاف، فوعدوا بثلاثة آلاف من الملائكة. وقال : وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ أي الإمداد. ويوم بدر ذهب المسلمون إليهم. قال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف يصح أن يقوله لهم يوم أحد، ولم ينزل فيه الملائكة؟ (قلت) : قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى عليهم. فلم يصبروا عن الغنائم، ولم يتقوا حيث خالفوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلذلك لم تنزل الملائكة، ولو تموا على ما شرط عليهم لنزلت. وإنما قدّم الوعد بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات، ويثقوا بنصر اللّه انتهى كلامه.
وقوله : لم تنزل فيه الملائكة ليس مجمعا عليه، بل قال مجاهد : حضرت فيه الملائكة ولم تقاتل، فعلى قول مجاهد يسقط السؤال. وقوله : قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى عليهم، فلم يصبروا عن الغنائم، ولم يتقوا إلى آخره المشروط بالصبر والتقوى هو الإمداد بخمسة آلاف. أمّا الإمداد الأوّل وهو بثلاثة آلاف فليس بمشروط، ولا يلزم من عدم إنزال خمسة آلاف لفوات شرطه أن لا ينزل ثلاثة آلاف، ولا شيء منها، وأجيب عن عدم إنزال ثلاثة آلاف : أنه وعد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للمؤمنين الذين بوأهم مقاعد للقتال، وأمرهم بالسكون والثبات فيها، فكان هذا الوعد مشروطا بالثبوت في تلك المقاعد. فلما
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٢٣.