البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٣٣
العدد من الملائكة. وكان حرف النفي «لن» الذي هو أبلغ في الاستقبال من لا، إشعارا بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكتهم كالآيسين من النصر.
وبلى : إيجاب لما بعد لن، يعني : بلى يكفيكم الإمداد بهم، فأوجب الكفاية. وفي مصحف أبيّ : ألا يكفيكم انتهى. ومعظمه من كلام الزمخشري.
وقال ابن عطية : ألن يكفيكم تقرير على اعتقادهم الكفاية في هذا العدد من الملائكة؟ ومن حيث كان الأمر بينا في نفسه أن الملائكة كافية، بادر المتكلم إلى جواب ليبني ما يستأنف من قوله عليه فقال : بلى، وهي جواب المقررين. وهذا يحسن في الأمور البينة التي لا محيد في جوابها، ونحوه قوله تعالى : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ «١» انتهى. وقال أبو عبد اللّه محمد بن أبي الفضل المرسي : ألن يكفيكم جواب الصحابة حين قالوا : هلا أعلمتنا بالقتال لنتأهب. فقال لهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«ألن يكفيكم».
قال ابن عيسى :
والكفاية مقدار سد الخلة، والإمداد إعطاء الشيء حالا بعد حال انتهى.
وقرأ الحسن : بثلاثة آلاف يقف على الهاء، وكذلك بخمسة آلاف. قال ابن عطية :
ووجه هذه القراءة ضعيف، لأن المضاف والمضاف إليه يقتضيان الاتصال، إذ هما كالاسم الواحد، وإنما الثاني كمال الأول. والهاء إنما هي أمارة وقف، فتعلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال، لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضع. فمن ذلك ما حكاه الفراء أنهم يقولون : أكلت لحما شاة، يريدون لحم شاة، فمطلوا الفتحة حتى نشأت عنها ألف، كما قالوا في الوقف قالا : يريدون. قال : ثم مطلوا الفتحة في القوافي ونحوها في مواضع الروية والتثبت. ومن ذلك في الشعر قول الشاعر :
ينباع من زفرى غضوب جسرة زيانة مثل العتيق المكرم
يريد ينبع فمطل. ومنه قول الآخر :
أقول إذ حزت على الكلكال يا ناقتا ما جلت من مجال
يريد الكلكل فمطل. ومنه قول الآخر :
فأنت من الغوائل حين ترمى ومن ذم الرجال بمنتزاح
يريد بمنتزح. قال أبو الفتح : فإذا جاز أن يعترض هذا التمادي بين أثناء الكلمة
(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٩.