البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٤٠
عظيم في عدم قبول الأعمال الصالحة والأدعية، كما
جاء في الحديث :«إن اللّه تعالى لا يستجيب لمن مطعمه حرام ومشربه حرام إذا دعا»
، «وأن آكل الحرام يقول إذا حج : لبيك وسعديك. فيقول اللّه له : لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك»
فناسب ذكر هذه الآية هنا.
وقيل : ناسب اعتراض هذه الجملة هنا أنه تعالى وعد المؤمنين بالنصر والإمداد مقرونا بالصبر والتقوى، فبدأ بالأهم منها وهو : ما كانوا يتعاطونه من أكل الأموال بالباطل، وأمر بالتقوى، ثم بالطاعة. وقيل : لما قال تعالى : وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ «١» وبيّن أنّ ما فيهما من الموجودات ملك له، ولا يجوز أن يتصرّف في شيء منها إلا بإذنه على الوجه الذي شرعه. وآكل الربا متصرّف في ماله بغير الوجه الذي أمر، نبّه تعالى على ذلك، ونهى عما كانوا في الإسلام مستمرّين عليه من حكم الجاهلية، وقد تقدم الربا في سورة البقرة.
وانتصب أضعافا، فانهوا عن الحالة الشنعاء التي يوقعون الربا عليها، كان الطالب يقول : أتقضي أم تربي، وربما استغرق بالنزر اليسير مال المدين، لأنه إذا لم يجد وفاء زاد في الدين، وزاد في الأصل. وأشار بقوله : مضاعفة، إلى أنهم كانوا يكررون التضعيف عاما بعد عام. والربا محرم جميع أنواعه، فهذه الحال لا مفهوم لها، وليست قيدا في النهي، إذ ما لا يقع أضعافا مضاعفة مساو في التحريم لما كان أضعافا مضاعفة. وقد تقدم الكلام في نسبة الآكل إلى الربا في البقرة.
وقيل : المضاعفة منصرفة إلى الأموال. فإن كان الربا في السن يرفعونها ابنة مخاض بابنة لبون، ثم حقة، ثم جذعة، ثم رباع، هكذا إلى فوق. وإن كان في النقود فمائة إلى قابل بمائتين، فإن لم يوفهما فأربعمائة. والأضعاف : جمع ضعف، وهو من جموع القلة.
فلذلك أردفه بالمضاعفة. وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لما نهاهم عن أمر صعب عليهم فراقه وهو الربا، أمر بتقوى اللّه إذ هي الحاملة على مخالفة ما تعوده المرء مما نهى الشرع عنه. ثم ذكر أنّ التقوى سبب لرجاء الفلاح وهو الفوز، وأمر بها مطلقا لا مقيدا بفعل الربا، لأنه لما نهى عن الربا كان المؤمنون أسرع شيء لطواعية اللّه تعالى، فلم يأت واتقوا اللّه في أكل الربا بل أمروا بالتقوى، لا بالنسبة إلى شيء خاص منعوه من جهة الشريعة. وَاتَّقُوا

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٢٩.


الصفحة التالية
Icon