البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٤٩
ذنوبنا، قاله : ابن مسعود، وأبو هريرة، وعطاء في آخرين. وروي عن أبي هريرة «ما رأيت أكثر استغفارا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم»
ولا بدّ مع ذكر اللسان من مواطأة القلب، وإلّا فلا اعتبار بهذا الاستغفار. ومن استغفر وهو مصرّفا فاستغفاره يحتاج إلى استغفار. والاستغفار سؤال اللّه بعد التوبة الغفران.
وقيل : ندموا وإن لم يسألوا. والظاهر الأول. ومفعول استغفروا اللّه محذوف لفهم المعنى، أي فاستغفروا لذنوبهم. وتقدم الكلام على هذا الفعل وتعديته.
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ جملة اعتراض المتعاطفين، أو بين ذي الحال والحال.
وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة إعرابا في قوله : وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ «١» وهذه الجملة الاعتراضية فيها ترفيق للنفس، وداعية إلى رجاء اللّه وسعة عفوه، واختصاصه بغفران الذنب. قال الزمخشري : وصف ذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وأنّ التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنّه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه، وأنّ عدله يوجب المغفرة للتائب، لأنّ العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز. وفيه تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط. وأنّ الذنوب وإن جلت فإنّ عفوه أجل، وكرمه أعظم. والمعنى :
أنه وحده معه مصححات المغفرة انتهى. وهو كلام حسن، غير أنه لم يخرج عن ألفاظ المعتزلة في قوله : وإنّ عدله يوجب المغفرة للتائب. وفي قوله : وجب العفو والتجاوز، ولو لم نعلم أن مذهبه الاعتزال لتأولنا كلامه بأن هذا الوجوب هو بالوعد الصادق، فهو من جهة السمع لا من جهة العقل فقط.
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي ولم يقيموا على قبيح فعلهم. وهذه الجملة معطوفة على فاستغفروا، فهي من بعض أجزاء الجزاء المترتب على الشرط.
ويجوز أن تكون الواو للحال ويكون حالا من الفاعل في فاستغفروا فهي من بعض أجزاء الجزاء، أي : فاستغفروا لذنوبهم غير مصرّين. وما موصولة اسمية، ويجوز أن تكون مصدرية.
قال قتادة : الإصرار المضي في الذنب قدما. وقال الحسن : هو إتيان الذنب حتى يتوب. وقال مجاهد : لم يصرّوا لم يمضوا. وقال السدي : هو ترك الاستغفار والسكوت عنه

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٣٠.


الصفحة التالية
Icon