البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٥٤
فعلى قوله يكون مس القوم قرح مثله يوم بدر. وأبعد من ذهب إلى أن القوم هنا الأمم التي قد خلت، أي نال مؤمنهم من أذى كافرهم مثل الذي نالكم من أعدائكم. ثم كانت العاقبة للمؤمنين، فلكم بهم أسوة. فإنّ تأسيكم بهم مما يخفف ألمكم، ويثبت عند اللقاء أقدامكم.
وقرأ الإخوان وأبو بكر والأعمش من طريقة قرح بضم القاف فيهما، وباقي السبعة بالفتح، والسبعة على تسكين الراء. قال أبو علي : والفتح أولى انتهى. ولا أولوية إذ كلاهما متواتر. وقرأ أبو السمال وابن السميفع قرح بفتح القاف والراء، وهي لغة : كالطرد والطرد، والشل والشلل. وقرأ الأعمش : إن تمسسكم بالتاء من فوق قروح بالجمع، وجواب الشرط محذوف تقديره : فتأسوا فقد مس القوم قرح، لأن الماضي معنى يمتنع أن يكون جوابا للشرط. ومن زعم أن جواب الشرط هو فقد مس، فهو ذاهل.
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ أخبر تعالى على سبيل التسلية أن الأيام على قديم الدهر لا تبقي الناس على حالة واحدة. والمراد بالأيام أوقات الغلبة والظفر، يصرفها اللّه على ما أراد تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء، كما جاء : الحرب سجال. وقال :
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
وسمع بعض العرب الأقحاح قارئا يقرأ هذه الآية فقال : إنما هو نداولها بين العرب، فقيل له : إنما هو بين الناس، فقال : أنا اللّه، ذهب ملك العرب ورب الكعبة. وقرىء شاذا : يدا، ولها بالياء. وهو جار على الغيبة قبله وبعده. وقراءة النون فيها التفات، وإخبار بنون العظمة المناسبة لمداولة الأيام، والأيام : صفة لتلك، أو بدل، أو عطف بيان. والخبر نداولها، أو خبر لتلك، ونداولها جملة حالية.
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا هذه لام كي قبلها حرف العطف، فتتعلق بمحذوف متأخر أي : فعلنا ذلك وهو المداولة، أو نيل الكفار منكم. أو هو معطوف على سبب محذوف هو وعامله أي : فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم. هكذا قدّره الزمخشري وغيره، ولم يعين فاعل العلة المحذوفة إنما كنى عنه بكيت وكيت، ولا يكنى عن الشيء حتى يعرف. ففي هذا الوجه حذف العلة، وحذف عاملها، وإبهام فاعلها. فالوجه الأول أظهر إذ ليس فيه غير حذف العامل. ويعلم هنا ظاهره التعدي إلى واحد، فيكون كعرف. وقيل : يتعدّى إلى اثنين، الثاني محذوف تقديره : مميزين بالإيمان من غيرهم. أي الحكمة في هذه المداولة :


الصفحة التالية
Icon