البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٦٢
لقد رأيت الموت قبل ذوقه وقال :
ووجدت ريح الموت من تلقائهم في مأزق والخيل لم تتبدّد
وقيل : معنى الرؤية هنا العلم، ويحتاج إلى حذف المفعول الثاني أي : فقد علمتم الموت حاضرا، وحذف لدلالة المعنى عليه. وحذف أحد مفعولي ظن وأخواتها عزيز جدا، ولذلك وقع فيه الخلاف بين النحويين. وقرأ طلحة بن مصرف. فلقد رأيتموه باللام، وأنتم تنظرون جملة حالية للتأكيد، ورفع ما يحتمله رأيتموه من المجاز أو من الاشتراك الذي بين رؤية القلب ورؤية العين، أي معاينين مشاهدين له حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وأقاربكم وشارفتم أن تقتلوا، فعلى هذا يكون متعلق النظر متعلق الرؤية، وهذا قول الأخفش، وهو الظاهر. وقيل : وأنتم بصراء أي ليس بأعينكم علة. ويرجع معناه إلى القول الأول، وقاله الزجاج والأخفش أيضا. وقيل : تنظرون إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وما فعل به.
وقيل : تنظرون نظر تأمل بعد الرؤية. وقيل : تنظرون في أسباب النجاة والفرار، وفي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هل قتل أم لا؟ وقيل : تنظرون ما تمنيتم وهو عائد على الموت. وقيل :
تنظرون في فعلكم الآن بعد انقضاء الحرب، هل وفيتم أو خالفتم؟ فعلى هذا المعنى لا تكون جملة حالية، بل هي جملة مستأنفة الاخبار أتى بها على سبيل التوبيخ. فكأنه قيل : وأنتم حسباء أنفسكم فتملوا قبح فعلكم. وهذه الآية وإن كانت صيغتها صيغة الخبر فمعناها العتب والإنكار على من انهزم يوم أحد، وفيها محذوف أخيرا بعد قوله : فقد رأيتموه وأنتم تنظرون، أي تفرقهم بعد رؤية أسبابه وكشف الغيب، أنّ متعلق تمنيكم نكصتم عنه وقال ابن الأنباري : يقال : إنّ معنى رأيتموه قابلتموه وأنتم تنظرون بعيونكم، ولهذه العلة ذكر النظر بعد الرؤية حين اختلف معناهما، لأن الأول بمعنى المقابلة والمواجهة والثاني بمعنى رؤية العين انتهى. ويكون إذ ذاك، وأنتم تنظرون جملة في موضع الحال المبينة لا المؤكدة إلا أن المشهور في اللغة أن الرؤية هي الإبصار، لا المقابلة والمواجهة.
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ هذا استمرار في عتبهم آخر أن محمدا رسول كمن مضى من الرسل، بلّغ عن اللّه كما بلغوا. وليس بقاء الرسل شرطا في